الأصل في الحب الوفاء والإخلاص، ومن أسرار الحب أن المحب لا يهنأ بكل ملذات الدنيا لو اجتمعت أمام عينيه مالم يكن مطمئنا على محبوبه وحديث عهد بأحواله، فإن غاب غاب السرور معه وسرت وحشة القلب بين أرجائه، وتكثف الهم في عينه ليطمس في نورها اتساع الكون الواسع، واشتغل الفكر بالوجد وعدم السلو، فتراه كالحيران الذي لا يدري ما يقول ولا إلى أين يذهب، لذا فليس في الحب مشورة لأن عدم المشورة أصل في الحب.
يقول أحد الشعراء:
فلو أكلت من نبت دمعي بهيمة ... لهيج منها رحمة حين تأكله
ولو كنت في غُلّ فَبُحتُ بلوعتي ... إليع للانت لي ورقت سلاسله
ولما عصاني القلب أظهرت عولة ... وقلت ألا قلب بقلبي أبادله
وإذ اجتمع الطرفان فأن السرور يخيم فوق رؤوسهم كالفضاء الواسع، وترتسم الفرحة في كل أرجاء الكون في أعينهم ولو كانا في مكان خرب.
عرف العشق عند العرب أنه مقدمة للطرفين ماقبل الزواج، لكن الشعور بمتعته أمد بعمر هذا الشعور لمحاور أخرى لأن الطالب متحقق من الرفاهية النفسية لهذا المشروع العاطفي الحيوي، وكما يقولون: غاية النفس مناها،إذ يصل أحيانا درجات الجنون.
يقول أحد الشعراء:
أصلي فما أدري إذا ماذكرتها ... أثنتين صليت الضحى أما ثمانيا
أراني إذا صليت يممت نحوها ... بوجهي وإن كان المصلى يمانيا
ومابي من إشراك ولكن حبها ... كعود الشجا أعيا الطبيب المداويا
وكان توبة الخفاجي قول في ليلى الأخيلية:
عفا الله عنها هل أبيتن ليلة ... من الدهر لايسري إليّ خيالها!
وكانت تقول:
وعنه عفا ربي وأحسن حاله ... فعزت علينا حاجة لاينالها
يقول أحدهم:
خيالك حين أرقد نصب عيني ... على وقت انتباهي لايزول
وليس يزورني صلة ولكن ... حديث النفس عنك بالوصول
قال أحد الشعراء:
بقلبي سقام لست أحسن وصفه ... على أنه ماكان فهو شديد
تمر به الأيام تسحب ذيلها ... فتبلى به الأيام وهو جديد
وههنا حادثة تدل على تجربة بين أم وأبنائها لا تخلو من فوائد، حيث تقول الرواية أنه
كانت امرأة من العرب عند رجل فولدت له أولادا أربعة رجالاً ثم هلك عنها زوجها فتزوجت بعده، فنأى بها زوجها عن بنيها وتزوجوا بعدها ثم إنها لقيتهم فقالت: يا بني، إني سائلتكم عن نسائكم فأخبروني عنهن.
قالوا: نفعل.
فقالت لأحدهم:أخبرني عن امرأتك.
فقال: غل في وثاق، وخلق لا يطاق، حرمت وفاقها، ومنعت طلاقها.
وقالت للثاني: كيف وجدت امرأتك؟
قال حسن رائع، وبيت ضائع، وضيف جائع.
وقالت للثالث: كيف وجدت امرأتك؟
قال: دل لا يقلى، ولذة لا تقضى وعجب لا يفنى، وفرح مضل أصاب ضالته وريح روضة أصابت ربابها.
قالت: فهلا أصف لكم كيف وجدت زوجي.
قالوا: بلى،
قالت: حيل ظغينة، وليث عرينة، وظل صخر وجوار بحر.
وعشق أبو جعفر القارئ جارية بالمدينة فقيل له: ما بلغ من عشقك إياها؟
قال: كنت أرى القمر في دارهم أحسن منه في دارنا.
ومن الطاعات الغريبة التي يولدها الحب عند المتحابين ماذكر من أن أبا القماقم بن بحر السقاء عشق مدينية، فبعث إليها أن إخوانا لي زاروني، فابعثي إليّ برءوس، حتى نتغدى ونصطبح على ذكرك. ففعلت، فلما كان في اليوم الثاني بعث إليها: إنا لم نفترق فابعثي إليّ سنبوسكا حتى نصطبح اليوم على ذكرك، فلما كان في اليوم الثالث بعث إليها: إن أصحابي مقيمون فابعثي إلى بقلية جزورية شهية، حتى نأكلها ونصطبح على ذكرك، فقالت لرسوله: إني رأيت الحب يحل في القلب، ويفيض على الأحشاء والكبد، وإن حب صاحبي هذا ليس يجاوز المعدة.
مشكلة الكثيرين أنهم يربطون حالات الحب والعشق بالمراهقين والسوقة ومن هم في مستواهم، وهذا حكم عار من الصحة خال من العدل، وغاب عن حكمهم أنه ابتلاء يصيب الكبير والصغير والعالم والجاهل والغني والفقير وهو قسمة ونصيب كما هو حال الزواج تماما، لكنه الإجحاف في الحكم، ورد العشاق عليهم واضح في كثير من أشعارهم، نأخذ منها هذا البيت:
زر من تحب ودع مقالة حاسد ... ليس الحسود على الهوى بمساعد
وإذا تآلفت القلوب على الهوى ... فالناس تضرب في حديد بارد
وهي سياسة غرامية جميلة ليس لها نظير.
للحديث بقية
ـ[هكذا]ــــــــ[17 - 12 - 2009, 07:08 م]ـ
متابع يا أبا سارة
:)
ـ[ربا 198]ــــــــ[17 - 12 - 2009, 07:12 م]ـ
لا أدري
لكن
سك الوجهين جائز
جوازه للدول لا للأفراد
ـ[ربا 198]ــــــــ[17 - 12 - 2009, 07:16 م]ـ
الأخت ربا
يجوز في بعض المذاهب:)
تحياتي للجميع
[/ b][/color]
أوَتقصد بالمذاهب" الحنيفية"؛ لسكوت إبراهيم عليه السلام على سارة حين صكت وجهها؟!
إن كنت قصدت ذلك فأنت إذن تعتبر شرع من قبلنا شرع لنا.
ـ[بل الصدى]ــــــــ[17 - 12 - 2009, 07:17 م]ـ
< < < حضرت و قرأت
تناول مميز أستاذنا أبا سارة، و شفافية رائعة في الطرح بقلم رشيق و سرد بديع
لك علينا أن نتابع و لنا عليك ألا تتوقف!
قال: كنت أرى القمر في دارهم أحسن منه في دارنا.
أما هذه فعجيبة!!
¥