تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال إسحاق الموصلي: أنشدني ابن كناسة:

لقد كان فيها للأمانة موضع ... وللسر كتمان وللعين منظر

قلت: مابقي شيء، قال: أين الموافقة!

وللمحبين في محبوباتهم أعذار جميلة ربما عدت من الأخلاق العملية الرفيعة، وهذا أحدهم يقول في محبوبته الحولاء:

يعيبونها عندي ولا عيب عندها ... سوى أن في العينيين بعض التأخر

فإن يك في العينين سوء فإنها ... مهفهفة الأعلى رداح المؤخر

وهذا آخر له وجهة نظر خاصة، حيث يقول:

يقولون نصرانية أم خالد ... فقلت دعوها كل نفس ودينها

فإن تك نصرانية أم خالد ... فقد صورت في صورة لاتشينها

أحبك إن قالوا بعينك زرقة ... كذاك عتاق الطير زرقا عيونها

المطرقة والسندان والكير والمبرد، هي أدوات معروفة في عمل الحدادين، تعالوا لننظر كيف وظفها هذا الحداد العاشق في شعره حيث يقول:

مطارق الشوق في قلبي لها أثر ... يطرقن سندان قلب حشوة الفِكرُ

ونار كير الهوى في الجسم موقدة ... ومبرد الشوق مايبقي ولا يذر

يبدو أنه صنع قناطر محكمة للوصول إلى قلبها.

وعلى ذكر القناطر، يقول أحدهم:

وقد كان هذا البحر ليس يجوزه ... سوى مشفق من هوله أو مخاطر

فصار على مرتاد جودك هينا ... كأن عليه محكمات القناطر

يقول إمام اللغة والنحو والأدب محمد القيرواني:

أما ومحل حبك في فؤادي ... وقدر مكانه فيه المكين

لو انبسطت لي الآمال حتى ... تصّير لي عنانك في يميني

جعلتك في محل سواد عيني ... وخِطتُ عليك من حذرٍ جفوني

فأبلغ منك غايات الأماني ... وآمن فيك آفات الظنون

فلي نفس تجرع كل حين ... عليك بهن كاسات المنون

إذا أمنت قلب الناس خافت ... عليك خفيّ ألحاظ العيون

وكيف وأنتِ دنياي ولولا ... عقاب الله فيك لقلت ديني!

ومادمنا مع علماء اللغة، فلن نبرحهم فهم سادة علوم الدنيا وقادة آلتها.

أتى صاعد اللغوي بوردة وقدمها إلى المنصور وقال:

أتتك أبا عامر وردة ... يحاكي لك المسك أنفاسها

كعذراء أبصرها مبصر ... فغطت بأكمامها راسها

فحسده ابن العريف على ذلك وزعم أنها قصيدة للعباس ابن الأحنف، فذهب إلى بيته وزاد عليها أبياتا ووضعها في دفتر قديم وجاء بها وهي:

عشوت إلى قصر عباسة ... وقد جدّل النوم حراسها

فألفيتها وهي في خدرها ... وقد صدع السكر أنّاسها

فقالت: أسارٍ على هجعة؟ ... فقلت: بلى، فرمت كاسها

ومدت على وردة كفها ... يحاكي لك المسك أنفاسها

كعذراء أبصرها مبصر ... فغطت بأنفاسها كاسها

وقالت: خف الله لاتفضـ ... ــحنَّ في ابنة عمك عباسها

وجزم بأنه سرقها، وحلف ابن صاعد ولم يصدقه أحد.

قال أحد المفلسين لامرأة: أنا أحبك

قالت: وما الدليل على ذلك؟

قال: تعطيني قفيز دقيق حتى أعجنه بدموع عيني.

قالت: وهل تجيء بخبزه إلينا.

قال: ياسيدتي، أنت تريدين خبازا لا تريدين عاشقا!

قيل لرجل رئي وهو يحدث امرأة نهار رمضان:أتكلمها في مثل هذا الشهر؟

قال: أدرجها إلى شوال!

خطب ثمامة العوفي امرأة فسألت عن حرفته فكتب إليها:

وسائلة ماحرفتي، قلت حرفتي ... مقارعة الأبطال في كل مأزق

وضربي طلى الأبطال بالسيف معلما ... إذا زحف الصفان تحت الخوافق

فلما قرأت الشعر قالت للرسول، قل له: فديتك، أنت أسد فاطلب

لبؤة، فإني ظبية أحتاج إلى غزال.

جاء صبي إلى أمه وقال: ما رأيت أقبح وجها من أبي؟

قالت:وفي أي شيء كان لأمك حظ حتى يكون لها في هذا!

حضر أعرابي حلقة يونس، فأنشد قول جرير:

يصرعن ذا اللب حتى لاحراك به ... وهن أضعف خلق الله أركانا

فقال: ما أراد والله إلا البراغيث!

حبرنا ما ذكرنا من باب التجوّز فيما يجوز، وكما قيل: عليك بسوء الظن فإن أصاب فالحزم، وإن أخطأ فالسلامة، وأحيانا تكون بعض الأشياء المعيبة عند البعض ممدوحة ورائقة عند آخرين، ومن ذلك أن أحد الأعراب دخل إلى الحجاج يشكو جدب السنة، فينما هو مفرط في ذلك إذ ضرط فقال: أصلح الله الأمير، وهذه أيضا من بليّة هذه السنة، فضحك وأجازه.

بهذا نقف، ونسأل الله أن يعاملنا بلطفه ومنه وكرمه.

وإن أردتم المتابعة فلا بأس، الآفاق ليس لها حدود، والأمر بين يديكم سلمكم المولى.

ـ[معالي]ــــــــ[20 - 12 - 2009, 08:16 ص]ـ

أهلا بشيخ الكلمة وأستاذ الإبداع أبي زيد، رعاه الله ووفقه

لسوء حظي ما وقعتُ على هذه الدرر إلا الساعة، ولقلة زيارتي للفصيح دور في ذلك، غير أن البيان عاجز عن وصف سعادتي بحضور جديد لأبي سارة بغض النظر عن موضوعه، فقلمه يجلب المتعة والفائدة في أي موضوع يطرقه، أيا كان!

لم أكمل القراءة بعد، ولكن ما حرضني على الرد ما أجده من متعة كبيرة وأنا أرى سلاسة الأسلوب تمتزج بمرارة السخرية و رقي الفكر و حشد الفوائد وروعة الأدب شعرا ونثرا و ... إلخ، كل هذا وغيره أزعم أن القارئ ندر أن يجده مجتمعا في غير قلم أبي سارة، حماه الله وبارك له في الذي أعطاه!

متابعون، شيخنا الكبير لغة وفكرًا، النادر حضورًا وعطاء ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير