تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والفريق الثاني من يريد أن يأمر وينهي إما بلسانه وإما بيده مطلقا من غير فقه ولا حكم ولا صبر ولا نظر فيما يصلح من ذلك وما لا يصلح وما يقدر عليه وما لا يقدر كما في حديث أبي ثعلبة الخشني سألت عنها، أي الآية، رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودينا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه ورأيت أمرأ لا يُدان لك به فعليك بنفسك ودع عنك أمر العوام فإن من ورائك أيام الصبر، الصبر فيهن مثل قبض على الجمر للعامل فيهن كأجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله".

فيأتي بالأمر والنهي معتقدا أنه مطيع في ذلك لله ورسوله وهو معتد في حدوده كما نصب كثير من أهل البدع والأهواء نفسه للأمر والنهي كالخوارج والمعتزلة والرافضة وغيرهم من غلط فيما أتاه من الأمر والنهي والجهاد وغير ذلك فكان فساده أعظم من صلاحه.

ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر على جور الأئمة ونهى عن قتالهم ما أقاموا الصلاة وقال: "أدوا إليهم حقوقهم وسلوا الله حقوقكم" ....... ولهذا كان من أصول أهل السنة والجماعة لزوم الجماعة وترك قتال الأئمة وترك القتال في الفتنة". اهـ بتصرف

"الاستقامة"، ص453_456.

وشريعتنا أكمل الشرائع في هذا الباب، فإن شريعة الكليم عليه السلام قد غلب عليها العدل، فهي على رسم الشدة، وشريعة المسيح عليه السلام قد غلب عليها الفضل، فهي على رسم اللين.

يقول ابن تيمية رحمه الله:

"وأمر المسيح عليه السلام للمظلوم بالعفو عن الظالم ليس فيه ما يدل على أنه من الواجب الذي من تركه استحق الذم والعقاب بل هو من المرغب فيه الذي من فعله استحق المدح والثواب.

وموسى عليه السلام أوجب العدل الذي من تركه استحق الذم والعقاب وحينئذ فلا منافاة بين إيجاب العدل وبين استحباب الفضل.

لكن إيجاب العدل يقترن به الترهيب والتخويف في تركه واستحباب الفضل يقترن به الترغيب والتشويق إلى فعله فذاك فيه رهبة مع ما فيه من الرغبة وهذا فيه رغبة بلا رهبة ولهذا قال المسيح عليه السلام: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}. ولهذا قيل إن المسيح عليه السلام بعث لتكميل التوراة فإن النوافل تكون بعد الفرائض". اهـ

"الجواب الصحيح(3/ 65، 66).

فجاءت شريع المسيح عليه السلام مكملة لشريعة موسى عليه السلام برسم التخفيف والترقيق لقلوب يهود التي صارت على حد: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً).

وأما شريعة النبي الأمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد جمعت الحسنيين، فهي موسوية في مواضع الجلال، عيسوية في مواضع الجمال، فلا تستعمل شدة الكليم عليه السلام في مواضع اللين والرفق، ولا تستعمل لين المسيح عليه السلام في مواضع الشدة والبأس.

يقول ابن تيمية رحمه الله:

"الشرائع ثلاثة: شريعة عدل فقط وشريعة فضل فقط وشريعة تجمع العدل والفضل فتوجب العدل وتندب إلى الفضل وهذه أكمل الشرائع الثلاث وهي شريعة القرآن الذي جمع فيه بين العدل والفضل". اهـ

"الجواب الصحيح"، (3/ 38).

فالفضل غزير، ولله الحمد والمنة، ولكن العدل عزيز، وكثير من الاشتباكات لا سيما إن كان فيها حقوق دماء أو أموال لا يفصل فيها إلا العدل، فالنفوس قد جبلت على الشح واستيفاء حقها مهما كان ضئيلا.

والله أعلى وأعلم.

ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[17 - 12 - 2009, 09:10 م]ـ

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله .... وبعد:

الأستاذ الفاضل: مهاجر

مقالة جميلة ورائعة وتدعو إلى التأمل .... صدقا .... العدل الإلهي لا يمكن أن يجاريه شيء! فسبحان الله ما أعدله في نواميس الحياة وشئونها .... !!

بارك الله فيك ... معلومات قيمة ومفيدة .... جعلها الله في موازين حسناتك .... اللهم آمين

ـ[مهاجر]ــــــــ[18 - 12 - 2009, 09:34 ص]ـ

جزاك الله خيرا على المرور المستمر والتعليق وبارك فيك ونفعك ونفع بك.

ـ[الخطيب99]ــــــــ[18 - 12 - 2009, 04:10 م]ـ

تحية إمتنان لهذا الموضوع أخي مهاجر

اتابعك بصمت , كل الود و التقدير

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير