تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، فمن اختار الإيمان فهو من أهل الولاية الشرعية: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)، ومن اختار الكفر ولم يستعلن بالحرب ولم ينكث يمين المعاهدة فهو من أهل: (قل يا أيها الكافرون .......... لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)، فالمفاصلة بينهم وبينه كائنة، والجزية عليه واجبة: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)، وله بعدها بر: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، فلا مسامحة في العقائد والشرائع، وإنما تكون المسامحة في أمور المعاش من بيع وشراء وجوار وطب وبناء ........ إلخ، وتلك أعدل الشرائع مع المخالفين، بشهادة المنصفين من أعداء هذا الدين، فقد نعموا في ظل سلطانه بالأمن على الحرمات من دماء وفروج وأموال إلا ما كان بحق الشرع، فمن نقض عهده بطعن في الدين أو نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كما هو حال كثير من معاهدي زماننا الذين استعلنوا على الملأ بسبه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو حلال الدم، ولا يكون استيفاء ذلك إلا للسلطان، إن كان للمسلمين سلطان!، فليس ذلك لآحاد المكلفين لئلا تشيع الفتن التي تسفك فيها الدماء وتنتهك فيها سائر الحرمات إذ لا فضل ولا عدل في زماننا!.

وصور العدل الجزئية في هذه الصورة الكلية عديدة: فدقائق الباب كثيرة فلا ينهى عن منكر فيستجلب برفعه منكر أعظم، ولا يؤمر بمعروف فيفوت به معروف أعظم ......... إلخ من الدقائق التي لا يزنها إلا ميزان قد بلغ من الدقة غايته، وذلكم هو ميزان النبوات التي جاءت بأصدق الأخبار وأعدل الأحكام.

يقول ابن تيمية رحمه الله:

"وإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم الواجبات أو المستحبات فالواجبات والمستحبات لا بد أن تكون المصلحة فيها راجحة على المفسدة إذ بهذا بعثت الرسل وأنزلت الكتب والله لا يحب الفساد بل كل ما أمر الله به فهو صلاح وقد أثنى الله على الصلاح والمصلحين والذين آمنوا وعملوا الصالحات وذم الفساد والمفسدين في غير موضع فحيث كانت مفسدة الأمر والنهي أعظم من مصلحته لم يكن مما أمر الله به وإن كان قد ترك واجب وفعل محرم إذ المؤمن عليه أن يتقى الله في عباد الله وليس عليه هداهم وهذا من معنى قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم).

والاهتداء إنما يتم بأداء الواجب فإذا قام المسلم بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قام بغيره من الواجبات لم يضره ضلال الضال وذلك يكون تارة بالقلب وتارة باللسان وتارة باليد.

فأما القلب فيجب بكل حال إذ لا ضرر في فعله ومن لم يفعله فليس هو بمؤمن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أدنى أو أضعف الإيمان وقال: ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل وقيل لابن مسعود رضي الله عنه: من ميت الأحياء؟ فقال: "الذي لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا"

وهذا هو المفتون الموصوف بأن قلبه كالكوز مجخيا في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه في الصحيحين: "تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير .......... " الحديث وهنا يغلط فريقان من الناس:

فريق يترك ما يجب من الأمر والنهي تأويلا لهذه الآية كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في خطبته: "أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية: (عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) وإنكم تضعونها في غير موضعها وإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير