تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أحَدُها: أنَّ قَوله تَعالى: (إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ) مَعْنَاه: إلاَّ مَن شَاء الله عَدَم خُلُودِه فِيها مِن أهْل الكَبَائر مِن الْمُوَحِّدِين، وقَد ثَبَت في الأحَادِيث الصَّحِيحَة أنَّ بَعْض أهْل النَّار يُخْرَجُون مِنها، وهُم أهْل الكَبَائر مِن الْمُوَحِّدِين ... واخْتَارَه ابن جرير، وغَاية مَا في هذا القَوْل إطْلاق مَا وَرَدَ، ونَظِيرُه في القُرْآن (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ).

الثَّاني: أنَّ الْمُدَّة التي اسْتَثْنَاهَا الله هي الْمُدَّة التي بَيْن بَعْثِهم مِن قُبُورِهم واسْتِقْرَارِهم في مَصِيرهم. قَاله ابن جرير أيضا.

الوَجْه الثَّالث: أنَّ قَولَه: (إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ) فِيه إجْمَال، وقَد جَاءت الآيَات والأحَادِيث الصَّحِيحَة مُصَرِّحَة بِأنَّهم خَالِدُون فِيها أبَدًا , وظَاهِرُها أنَّه خُلُود لا انْقِطَاع لَه , والظُّهُور مِن الْمُرَجِّحَات , فَالظَّاهِر مُقَدَّم على الْمُجْمَل، كَمَا تَقَرَّر في الأصُول.

ومِنها: أنَّ (إِلاَّ) في سُورة هُود بِمَعْنَى: "سِوى مَا شَاء الله مِن الزِّيَادَة على مُدَّة دَوَام السَّمَاوَات والأرْض".

وقال بَعض العلماء: إنَّ الاسْتِثْنَاء على ظَاهِرِه، وأنه يَأتي على النَّار زَمَان ليس فِيها أحَد ... قال مُقَيِّدُه - عفا الله عنه-: الذي يَظْهَر لي - والله تَعالى أعْلَم - أنَّ هَذه النَّار التي لا يَبْقَى فِيها أحَد، يَتَعَيَّن حَمْلِها على الطَّبَقَة التي كَان فِيها عُصَاة الْمُسْلِمِين، كَمَا جَزَم بِه البَغَوي في تَفْسِيرِه؛ لأنه يَحْصُل بِه الْجَمْع بَيْن الأدِلَّة , وإعْمَال الدَّلِيلَين أَوْلَى مِن إلْغَاء أحَدِهِما، وقد أطْبَق العُلَمَاء على وُجُوب الْجَمْع إذا أمْكَن.

ثم ذَكَر مَا قِيل في فَنَاء النَّار، ثم قَال:

أمَّا فَنَاؤها فَقَد نَصَّ تَعالى على عَدَمِه بِقَوْلِه: (كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا).

وأمَّا مَوتُهم فَقد نَصّ تَعَالى عَلى عَدَمِه بِقَولِه: (لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) , وقوله: (لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى)، وقوله: (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ) , وقَد بَيَّن النبي صلى الله عليه وسلم في الْحَدِيث الصَّحِيح أنَّ الْمَوْت يُجَاء بِه يَوْم القِيَامَة في صُورَة كَبْش أمْلَح فيُذْبَح، وإذا ذُبِح الْمَوْت حَصَل اليَقِين بأنَّه لا مَوْت، كَمَا قَال النبي صلى الله عليه وسلم: ويُقَال: " يَا أهْل الْجَنَّة خُلُود فَلا مَوْت، ويَا أهْل النَّار خُلُود فَلا مَوْت ".

وأمَّا إخْرَاجُهم مِنها فَنَصَّ تَعالى على عَدَمِه بِقَوله: (وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ)، وبِقَولِه: (كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا) , وبِقَوله: (وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا).

وأمَّا تَخْفِيف العَذَاب عَنهم فَنَصَّ تَعَالى عَلى عَدِمِه بِقَولِه: (وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ) , وقَوله: (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَابًا).

فَظَاهِر هَذه الآيَات عَدَم فَنَاء النَّار الْمُصَرَّح بِه في قَولِه: (كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا).

رأي الباحث (العبد الفقير عبد الرحمن السحيم):

خُلُود الكُفَّار في النَّار مَقْطُوع بِه، مُجْمَع عَلَيه. وإن كان اختُلِف في طُول الْخُلُود، وقِيل بِفَنَاء النَّار، إلاَّ أنه قَول ضَعِيف.

والذي يَظْهر أنَّ الاسْتِثْنَاء جَاء تَحْقِيقًا لا تَعْلِيقًا، ونَظِيرُه في كِتَاب الله: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ)، وهو وَعْدٌ حَقّ، وقَوْلٌ صِدْق، ومَع ذلك قَرَنَه تَعَالَى بِالْمَشِيئَة.

وقَول مََن قال: إنَّ الاسْتِثْنَاء في حَقّ عُصَاة الْمَؤْمِنِين - مُتَّجِه؛ وذَلك لأنَّ مَن دَخَل النَّار مِن عُصَاة الْمُوَحِّدِين لا يَخْلُد فِيها، وجَاء التَّصْرِيح بِه في قَولِه عليه الصلاة والسلام: يُعَذَّب نَاسٌ مِن أهْل التَّوْحِيد في النَّار حَتى يَكُونُوا حُمَمًا فيها، ثم تُدْرِكُهم الرَّحْمَة فيُخْرَجُون، فيُلْقَون على بَاب الْجَنَّة، فَيَرُشّ عَليهم أهْل الْجَنَّة الْمَاء، فَيَنْبُتُون كَمَا يَنْبُت الغُثَاء في حِمَالَة السَّيْل، ثم يَدْخُلُون الْجَنَّة.

كَمَا أنَّ النَّار لا تَأكُل مَوَاضِع السُّجُود مِن ابْنِ آدَم، لِقوله عليه الصلاة والسلام: حَتى إذا أرَاد اللهُ رَحْمَة مَن أرَاد مِن أهْل النَّار أمَرَ الله الْمَلائكَة أنْ يُخْرِِجُوا مَن كَان يَعْبُد الله، فَيُخْرِجُونَهم ويَعْرِفُونَهم بِآثَار السُّجُود، وحَرَّم اللهُ على النَّار أنْ تَأكُل أثَر السُّجُود، فَيَخْرُجُون مِن النَّار فَكُلّ ابْن آدَم تَأكُلُه النَّار إلاَّ أثَر السُّجُود، فَيَخْرُجُون مِن النَّار قَد امْتَحَشُوا فيُصَبّ عَليهم مَاء الْحَيَاة، فَيَنْبُتُون كَمَا تَنْبُت الْحَبَّة في حَمِيل السَّيْل.

ثُمّ إنَّ هَذا الاسْتِثْنَاء الوَارِد في الآيَات هَو مِن قَبِيل الْمُتَشَابِه، والوَاجِب رَدّ الْمُتَشَابِه إلى الْمُحْكَم، وقد اسْتَفَاضَتْ آيَات الكِتَاب بِخُلُود الكُفَّار في النَّار.

من موقع إسامي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير