تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تدعو لهم، وأن تعمل جاهدا لمعونتهم قدر استطاعتك إن كان لك طاقة بذلك، فالشرع أسباب وضعها الرب، جل وعلا، لتحصيل أكبر قدر من المنافع، ولا أحب إليه، تبارك وتعالى، من النفع المتعدي إلى عباده المؤمنين، فرعاية شأنهم والقيام على أمرهم دينا ودنيا، من أجل القربات إلى الرب، جل وعلا، فذلك خير من البكاء بلا طائل، ولا بد من الداعيين ليستقيم أمر العبد، فداعي الرحمة: يولد في القلب الإرادة لرفع الآلام عن المسلمين المبتلين وما أكثرهم في زماننا، لا سيما الأطفال الذين ابتلوا بذنوبنا، نحن المكلفين المقصرين، بأدواء لم تكن في الأسلاف كما هو الحال عندنا في مصر وقد امتلأت مستشفيات الأطفال بفلذات أكبادنا التي شاء الرب جل وعلا أن يعاقبنا بإصابتهم بأمراض لم تكن تظهر في أجيالهم الغضة إلا نادرا فصارت الآن من الكثرة حتى افترشوا الأرض في بعض المراكز العلاجية لكثرة أعداد النزلاء وشاء أن يسلط عليهم وعلينا من يفسد غذاء الأرواح ممن ترسموا برسم الدين وهم أول الطاعنين فيه بمقالهم الزائف وحالهم الفاسد، ومن يفسد غذاء أبدانهم فلا يكاد يجد الإنسان لابنه طعاما صحيحا ناصحا ينتفع به فالذمم الخربة قد استباحت أرواح وأبدان المسلمين حتى صار كثير من الفضلاء يضجون بالشكوى فأحدهم يريد الحفاظ على قلب ابنه فلا يجد إلا الإفساد ممن حوله، ويريد الحفاظ على بدنه فلا يجد ما يطمئن له فقائمة الممنوعات الغذائية في زماننا لمن تحرى في هذا الشأن وكان له نوع عناية ودراية به قد طالت حتى شملت جرعة الماء! فلم تعد تقتصر على المسليات التي تستخدم فيها مكسبات الطعم واللون والرائحة الكيميائية التي تضر بأنسجة البدن أيما ضرر بل تعدت إلى الأصناف الأساسية من القوت الضروري الذي لا غنى عنه، وصار المرء ينظر إلى الزهور اليانعة لا سيما من نشأ منهم في صيانة وتأله وهم كثير ولله الحمد، صار ينظر إليهم بعين الخوف والشفقة عليهم ولسنا أرحم بهم من ربهم، عز وجل، فهو القادر على حفظهم من تلك المؤامرة الدينية الدنيوية الكبرى الذي تسلط فيها من خان الأمانة من بني جلدتنا عليهم فاستباح من أرواحهم وأجسادهم الغضة ما استباح، وتلك عاجل عقوبة الرب جل وعلا لنا للنكول عن نصرة هذا الدين فابتلينا بأبداننا بعد أن أهملنا أمر أدياننا، وداعي الشرع يوجه تلك الإرادة لئلا تضيع هباء، فيكون الأمر محض عاطفة بلا عمل مثمر، وقبل ذلك إن لم يرزق الفاعل إخلاصا وسدادا، فلا يجهدن نفسه!، فإن عدم التوفيق من الرب، جل وعلا، فلا توفيق يرتجى من سواه فكل عمل أريد به غيره فهو على رسم: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا)، فلا بد من تحرير أول المنازل قبل الشروع في السير في طريق الهجرة، والله، عز وجل، يغفر الزلات، ويصلح ما فسد من النوايا والإرادات.

فللمبتلى: عبودية الصبر والدعاء برفع البلاء والسعي في رفعه بما سن تبارك وتعالى من أسباب الشرع والكون.

وللمعافى: عبودية الشكر ظاهرا وباطنا، والدعاء للمبتلين والسعي في تفريج كرباتهم، وسؤال الرب، جل وعلا، السلامة، فلا يعدل العاقل بالسلامة شيئا، فالرب، جل وعلا، حكيم، قد وضع كلاً في المحل الذي يلائمه، فلا تتصور جماعة كلها من المبتلين فإنها لا تقدر على إقامة أمر الدين لذهولها بما هي فيه، فهي في شغل عن الشأن العام بإصلاح شأنها الخاص، فهو الآكد في حقها إذ فروض الأعيان أولى بالاعتبار من فروض الكفاية، كمن ابتلي بمريض يرعاه فرعايته آكد في حقه من فعل نافلة الصلاة أو طلب نافلة العلم، فالواجب أولى بالاعتبار، ولذلك كان التبكير بفعل الصالحات في أزمنة الفراغ مئنة من تسديد الرب، جل وعلا، لفاعلها، فليس بعد الفراغ إلا الشغل، وليس بعد العافية إلا الابتلاء الذي لن يسلم منه أحد فذلك جار على ما تقدم من معنى اسمه القهار الذي ابتلى بالآلام ليظهر آثار وصف جلاله في الأعيان. وفي المقابل لا تتصور جماعة كلها من المعافين فذلك مظنة الغفلة، فوجود المبتلين فيهم في حد ذاته: رحمة تذكرهم بقدرة الرب الجليل، تبارك وتعالى، فلا يخلو الابتلاء مع شدته من نعمة، فهو تطهير لصاحبه تذكير لغيره، وكم من عصاة تابوا لما رأوا المبتلين فضنوا بقوى عقولهم وأبدانهم أن تضيع في

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير