تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مبارزة من أنعم بها ابتداء وأصحها بإجرائها على سنن العافية، ومطالعة جانب القدرة في مواضع الابتلاء يقوي في النفس جانب الرهبة فتكف عن إرادات السوء، ومطالعة جانب الحكمة يقوي فيها جانب الرغبة فتحسن الظن بالحكيم، جل وعلا، وتقبل البشرى إن استعملت في طاعة فلا تردها أو تنكل عن مباشرة أسبابها فتحرمها وتحرم غيرها بشؤم تركها، وبتنوع الأقدار بين عافية وابتلاء تظهر آثار أوصاف كمال الرب، جل وعلا، جلالا وجمالا في هذا الكون، فالنفس بين رجاء بمطالعة نعمه، وخوف بمطالعة نقمه، وذلك حد الربوبية التي تخلق الأضداد وتجريها على سنن يحصل بها كمال انتظام أمر هذا الكون الشاهد بوحدانية من أوجده ذاتا، وأحديته صفاتا وأفعالا، فليس كمثله شيء في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله.

والطاعم بعد قضاء نهمته مفتقر إلى اللذة الحاصلة بعد الشبع فهي أعظم درجات اللذة المحسوسة، فلا يحصل للنفس كمال اللذة إلا بعد قضاء الوطر من أي شهوة، وهو مفتقر مع ذلك إلى من يصحح له آلات بدنه الهاضمة لينتفع بهذا الغذاء، ومفتقر إلى من يصحح له آلات بدنه الطاردة لتطرد عنه أذاها، فهي سلسلة متصلة من صور الفقر الذاتي الجبلي يتنقل العبد بين حلقاتها طوال عمره، بل طوال يومه، فيباشر من صور الفقر الذاتي في يومه ما لو تأمله بفكر ناصح وقلب حاضر لاستشعر عظمة المعبود، جل وعلا، الذي تنزه عن كل تلك المعايب، فهو على الضد من ذلك له كمال الغنى الذاتي فذلك من معاني صمديته، أيضا، فهو السيد الذي قد بلغ الغاية في السؤدد والشرف، والغنى من لوازم ذلك بداهة، فلا سيادة في عالم الشهادة بلا غنى، ولله المثل الأعلى، فكمال الغنى المطلق ثابت له من باب أولى، وتأمل ذلك يولد في النفس إرادة التوجه له وحده، فلا يطلب عز في غير طاعته، أو غنى في سؤال غيره.

وهذه أمة لا تصلح إلا برسم الإسلام، فإن ابتغت عزا في غيره، أو باشرت سنن غيرها من الأمم التي ألقت أديانها خلف ظهورها والتفتت إلى دنياها فهي منتهى أملها وغاية أمرها، إن فعلت ذلك واتبعت أذناب البقر، سلط الله عليها بقية الأمم من عباد الصلبان والبقر فداسوها بنعالهم، ولا يعني ذلك تعطيل صنائع الدنيا بزعم الانتصار للدين، فإن الانتصار له لا يكون إلا بالأسباب التي هي من جملتها فمحلها محل فروض الكفايات التي لا تصلح الحياة إلا بإقامتها، ولكن إقامتها شيء، وبذل الهمم في سبيل تحصيلها فتصبح مرادة لذاتها لا ذريعة إلى مطلوب أسمى، شيء آخر، وتقديم ما حقه التأخير وتأخير ما حقه التقديم هو سبب تخلفنا في الأعصار المتأخرة فلم نعلم واجب الوقت المفروض علينا فقدم كل ما يراه ملائما لصلاح حاله بمعزل عن الشرع الحاكم، فتنوعت الغايات تبعا لتنوع الأهواء وقل أن يوجد فيها ما يوافق الوحي.

وإلى الله المشتكى.

ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[03 - 01 - 2010, 01:05 م]ـ

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله .... وبعد:

الأستاذ الفاضل: مهاجر

جزاك الله خيرا ... مقالة جميلة وقيمة وأراها كذلك مهمة وينبغي للجميع النظر فيها .... جعلها الله في موازين حسناتكم .... اللهم آمين

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير