تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يزعم أصحابه أنه وحي نازل من السماء، واغتر المنتصر بنصره، وظن أنه لن يرجع إلى ربه، فادعى لنفسه بلسان الحال ربوبية الكون لمجرد اكتشافه السنن التي يجري عليها!، فهو سيد الكون، أو: "السوبر مان" كما تزعم بعض النظريات الحديثة، ومن هذا التصور الفاسد تولد ما تولد من طغيان العقل الفاسد الذي انتقل من حد التسليم المطلق لمقررات الكنيسة ولو خالفت بدائه المعقول إلى حد الإنكار المطلق ولو بأصل الرسالات والوحي، مادة صلاح هذه العالم، فأنكر الدين جملة وتفصيلا، إذ لم يدرك منه إلا الصورة النمطية المحرفة التي توارثتها أجيال النصرانية في أوروبا مقترنة دوما بالتخلف الفكري والمادي في مقابل ما كان عليه الشرق من تقدم عم سائر ميادين الحياة: علما وعملا، دينا ودنيا، فمنعه الكبر من قبول دعوة الحق الآتية من الجنوب، مع أنه لم يجد خيرا من مناهجها البحثية في تحريك المياه الراكدة في مستنقعات الفكر الأوروبي آنذاك، فهيمنة الكنيسة على وسائل البحث والمعرفة، برسم الطغيان الذي يحرص صاحبه على قتل أي موهبة أو زعامة قد تنافسه رياسته، تلك الهيمنة قد فرضت على الحياة العلمية الأوروبية آنذاك، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، جمودا وإيمانا بالثبات المطلق حتى للأرض التي ثبت بعد ذلك أنها تدور!، رغم أنف رجالات الكنيسة الذين صادروا وأحرقوا ونكلوا بمن قال بهذه الحقيقة التي قررها أهل الإسلام قبل فلكيي أوروبا المتأخرين بقرون عديدة.

ولا يجد أهل السنة من جهة أخرى: وهم السواد الأعظم في هذه الأمة عناء فكريا كالذي يجده منتحلو بقية المقالات المحدثة، فلا يدعوا أئمة أهل السنة عموم المسلمين إلى النظر ابتداء على طرائق كلامية حادثة لا يجيدها إلا آحاد الأذكياء، فتصير الديانة حكرا على من عرف أدلة الحدوث والإمكان ......... إلخ من الاصطلاحات المحدثة التي لم ترد في كتاب أو سنة فهي بمعزل عن الوحي مبنى ومعنى، وإنما يثبتون لهم العقد الإيماني الأول ويسعون في إرشادهم إلى ما يوثق هذا العقد من الأخبار الإلهية والأحكام الشرعية التي تباشر مكامن الفطرة الإيمانية فيهم فتقبلها النفس بلا عناء، فهي غذاء شرعي ناصح لا شوب فيه ولا كدر، فهو على حد العصمة: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)، فإسناده أصح إسناد، حمله العدول الثقات من صدر هذه الأمة فأدوه إلى من جاء بعدهم حتى وصل إلينا غضا كما أنزل، فبنقلهم وفهمهم تحصل الكفاية لكل مستدل أو طالب للهداية، واسأل أي فرد من عموم هذه الأمة عن معتقده، وانظر إلى جوابه، وإن كان ممن درس طرائق المتكلمين في أصول الدين، فأغلب الدارسين لها لا يعتقدها وإنما تملي عليه في معاهد الدراسة بكرة وأصيلا، انظر إلى جوابه تجده فطريا يقر بالتوحيد والرسالة، ويعظم الأصحاب، رضي الله عنهم، لأنهم حملة هذا الأمر، فالطعن فيهم طعن فيه بداهة، وذلك قيد آخر خرج به الطاعنون في أصل إسناد الرسالة، وذلك، أيضا، من المضايق الفطرية، إن صح التعبير، التي يعاني منها من التزم طريقة تجبر عقله على القدح في الأصحاب، رضي الله عنهم، انتصارا لصاحب الرسالة وآله، عليهم السلام، فإن لازم ذلك الطعن في الرسالة وصاحبها وآله بداهة، وذلك أيضا، مما سلم منه السواد الأعظم من هذه الأمة الذي يباشر هذا الأمر بفطرته الأولى فلا يجد كما تقدم ما يجده غيره من أتباع الملل المحرفة والنحل الحادثة، فهو في نعمة لا يشعر بها، فلو علم مقدار ما في هذه المقالة من اطمئنان قلب وسلامة صدر وسلام مع النفس فالحرب بين الدين والعقل والفطرة والحس قد وضعت أوزارها، بل اجتمعت كلها على قلب رجل واحد فولدت في نفس صاحبها من القوى الإيمانية ما ظهر أثره في إراداته الصالحة، وما تفرع عنها من الأقوال والأعمال على رسم الإخلاص الباطن والاتباع الظاهر لما جاءت به الرسالة من أخبار مصدقة وشرائع محكمة، وجماع الأمر، كما قرر بعض المحققين من أهل العلم: الكتاب النازل فذلك مادة الصلاح، والنبي المرسل فهو الشارح لتلك المادة على وجه يرتفع به كل إشكال ويزول به كل إجمال فهو أعلم الناس بالمراد وأصدقهم إرادة للبيان، وأقدرهم على ذلك فلسانه أفصح لسان، والسلف الذبن نقلوا ذلك الإرث مادة وفهما، فعندهم من صحة الإراداة، وطرائق اللسان العربي، وجودة الفهم، ومباشرة نزول الوحي بين ظهرانيهم ما ليس عند من تلاهم من الخلف المقصرين الذين ادعوا لأنفسهم كمالا ليسوا له بأهل، وادعوا للسلف تقصيرا وتقليدا على حد العجز والبلاهة هم منه براء، والخلف لو دققوا هم الأولى به والأجدر.

والله أعلى وأعلم.

ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[06 - 01 - 2010, 09:18 م]ـ

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله .... وبعد:

الأستاذ الفاضل: مهاجر

جزاك الله خيرا .... مقالة رائعة ومعلومات قيمة .... قرأتُ فقرات قليلة منها ... وبإذن الله تعالى سنعود لقراءتها ... حتى نستفيد ... جعله الله في موازين حسناتكم يوم تلقونه .... اللهم آمين

جزاك الله خيرا ... لو تتركون مسافة لوجدتم قرّاء كثر يقرؤون مقالتكم القيمة هذه .... مجرد رأي

لكم أن تأخذوا به أو تتركوه ...

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير