وأكمل الناس في هذا الباب هو محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه، فقد عرض لهم الحزن فما زادهم إلا صبرا، فابتلي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بفقد العم والزوجة والأبناء والأصحاب في أحد وغيرها وتلك أحزان تخر لها الجبال فما زاده ذلك إلا صبرا فتحول حزنه على حمزة وشهداء أحد، رضي الله عنهم، إلى عزم نهض به في اليوم التالي لمطاردة المشركين في حمراء الأسد، ومعه الذين: (اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ)، في صورة نادرة من صور المبادرة رغم الجراحات التي لما يمر عليها يوم أو يزيد!، وابتلي المسلمون بفقده صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلم يزد الصديق، رضي الله عنه، أن قال مع عظم الخطب وذهول العقول لما أصابها من الحزن بفقد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "مَنْ كانَ يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حَيّ لا يموت"، فبادر المسلمون مع عظم حزنهم إلى قمع حركة الردة التي كانت سببا آخر من أسباب الخوف المستوجب للحزن وقد صار المسلمون جزيرة في محيط الردة، ولكن حزنهم كان كالعادة إيجابيا ولد من الخير ما صيره أيضا: منحة في صورة محنة.
والحزن والهم شريكان يقعدان أصح الناس جسدا عن مباشرة معالي الأمور، ولو اعتل الجسد بل أقعد والروح منهما سالمة فترج خيرا، وإلا فـ:
الهم يخترم الجسيم نحافة ******* ويشيب ناصية الغلام ويهرم.
وقد شابت نفوس كثير منا لا سيما شيوخ الجيل الحالي! الذين أصابهم الهم والحزن في مقتل مع غياب الدواء الشرعي المنجي من تلك الأدواء الفاتكة بالنفوس.
وكان الصديق، رضي الله عنه، يحزن لحال المستضعفين من المعذبين في مكة ويبكي لحالهم ولكنه لم يستسلم لداعي الطبع بل جعل حزنه ذريعة إلى عمل إيجابي نافع فسعى في افتكاكهم حتى عوتب في ذلك من أبيه.
وكان عمر، رضي الله عنه، قليل الضحك لا يمازح أحدا، صارما لا يعرف الباطل إلى نفسه سبيلا، عاملا تهابه خلائق البطالين، مقبلا على شأنه، وكلها من أمارات الحزن الإيجابي فلا وقت يضيع وقد مضى من العمر ما مضى، وأزف الترحل، فلم يعد في العمر ما يضيعه.
والناظر في أخلاق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأخلاق أصحابه لا سيما الشيخين، رضي الله عنهما، يرى عجبا، فقد نجح صلى الله عليه وعلى آله وسلم في استثمار تلك الملكات النفسية الرفيعة لرجال اختارهم الله، عز وجل، لصحبته، كما اختاره لحمل رسالته، فخلط لين الصديق بشدة عمر بحياء عثمان بشجاعة علي بأمانة أبي عبيدة بحمية الزبير بفصاحة حسان ........ إلخ فأخرج ذلك القرن من الرجال الذي لم تعرف الدنيا بعد الأنبياء والمرسلين مثله فلا يصنع أمثال أولئك إلا على عين النبوة.
والله أعلى وأعلم.
ـ[أبو سهيل]ــــــــ[19 - 01 - 2010, 05:16 م]ـ
لله درك أيها المهاجر
لا أكذب أنا أشبع أبدا من كلامك
ففيه تسليت لكثير من الحزن
ـ[ربوع الإسلام]ــــــــ[19 - 01 - 2010, 08:55 م]ـ
بُوركتَ يا أخي مهاجر
كلامٌ نفيس جليل
ولي عودة بإذن الله ..
ـ[هشام محب العربية]ــــــــ[21 - 01 - 2010, 12:09 ص]ـ
بارك الله فيك وفي قلمك أيها المهاجر، فتح الله عليك أيها الأخ الكريم.
ـ[فاطمة المحمود]ــــــــ[22 - 01 - 2010, 05:26 م]ـ
لا تأس على ما فاتك من الدنيا وعندك الدين والعافية
المؤمن الواثق بالله لايحزن ابدا اعتراضا على قدر الله لكنه يحزن على الفراق أو آثار المصيبة أيا كانت فهو مشاعر واحاسيس وهو يدرك أن عليه الصبر ولما كانت مصيبة الموت من أعظم مصائب الدنيا سرى الله تعالى وخفف عن المؤمنين بأنهم يلتقون في جنات النعيم بعد هذه الدنيا الزائلة فإنما الدنيا صبر ساعة
لكن درجات الإيمان تتفاوت في قلوب المؤمنين لذا يتفاوتون في تعبيرهم عن حزنهم وفي صبرهم على مداواة جروحهم
ـ[ربوع الإسلام]ــــــــ[22 - 01 - 2010, 07:22 م]ـ
لا شيء ورب الكعبة يُحزن كـ
اقتراف معصية ..
أو
فوات طاعة ..
والباقي كُلّه هيّنٌ .. هيَّن ..
طالما العبد لم يصر على معصية من المعاصي، أو يُضيع طاعة من واجبات الطاعات .. فكُلّ ما سواه هين .. إن شاء الله تعالى ..
فهو أمر الله، وهو الخير ولا بُدَّ
(طالما أنه على الجادة وغير مُصر على معصية)
فما يعتريه من أشياء هي الخير إن شاء الله، فالله أعلم بحال العبد منه وهو (اللطيف الخبير)
و (الله يعلم وأنتم لا تعلمون) ..
وكلّ أمر مؤمن خير كما في حديث صحيح مسلم ..
ـ[بسمة الكويت]ــــــــ[22 - 01 - 2010, 11:47 م]ـ
من منا لم يحزن وهو حال يعترينا فلاحزن يدوم ولا سرور.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مايصيب المسلم من نصب ولاوصب ولاهم ولاحزن ولا أذى ولاغم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه))
يبتلي الله عباده بالمصائب وتكون النتيجة إن صبروا تكفيرا لسيئاتهم، وزيادة في الحسنات.
فحالنا بين حزن وسرور ومرض وعافية وضيق وفرج.
ألا فاصبر على الحدث الجليل:: وداو جواك بالصبر الجميل
ولاتيأس فإن اليأس كفر:: لعل الله يغني من قليل
وإن العسر يتبعه يسار:: وقول الله أصدق كل قيل
¥