تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"ثمَّ إذَا مَيَّزَ الْعَالِمُ بَيْنَ مَا قَالَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا لَمْ يَقُلْهُ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يَفْهَمَ مُرَادَهُ وَيَفْقَهَ مَا قَالَهُ وَيَجْمَعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَيَضُمَّ كُلَّ شَكْلٍ إلَى شَكْلِهِ فَيَجْمَعُ بَيْنَ مَا جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَرَسُولُهُ وَيُفَرِّقُ بَيْنَ مَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَرَسُولُهُ. فَهَذَا هُوَ الْعِلْمُ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ وَيَجِبُ تَلَقِّيهِ وَقَبُولُهُ وَبِهِ سَادَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ كَالْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ". اهـ

فـ: "النَّاظِرُ فِي الدَّلِيلِ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَرَائِي لِلْهِلَالِ قَدْ يَرَاهُ وَقَدْ لَا يَرَاهُ لعشى فِي بَصَرِهِ وَكَذَلِكَ أَعْمَى الْقَلْبِ. وَأَمَّا النَّاظِرُ فِي الْمَسْأَلَةِ: فَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْئَيْنِ: إلَى أَنْ يَظْفَرَ بِالدَّلِيلِ الْهَادِي وَإِلَى أَنْ يَهْتَدِيَ بِهِ وَيَنْتَفِعَ"

والسياق سياق: "القاعدة الحادية عشرة: وجوب اتباع الدليل" من رسالة "الاعتصام بالكتاب والسنة": ص119، 120.

فأذن لهم في القتال، فذلك مما دل عليه السياق اقتضاء، إذ تضمين الفعل: "أذن" معنى الإخبار لقرينة تعديه بالباء في: "بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا" كناية عن الإذن لهم بالقتال بل فيه نوع تهييج لهم عليه، إذ لو قال أحد للمظلوم: إنك مظلوم فذلك إذن ضمني له برفع الظلم عنه، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، والتذييل بقوله تعالى: (وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ): قرينة سياقية دالة على المحذوف المقدر فإن النصر إنما يكون في مواطن المغالبة وآكدها: المقاتلة ذبا عن الديانة، فأذن لهم في رد العدوان وإن لم يبلغ مرتبة الإيجاب كما قد آل إليه الأمر في المرحلة الثالثة من مراجل الجهاد: مرحلة جهاد الدفع على حد الإيجاب، كما في قوله تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)، ثم استقر الأمر في المرحلة الرابعة بتشريع جهاد الطلب بنحو قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)، ولا يستقل بعقد لواء جهاد الطلب إلا إمام المسلمين، إن كان لهم إمام!، فليس جهاد الطلب كجهاد الدفع الذي يتعين على المحلة التي داهمها العدو، ويجب على أجوارها على حد الكفاية التي يحصل بها رفع العدوان والحصار!، وإلا أثم القادرون كل بحسب قدرته فلا يستوي القادر الممكن والعاجز المخوف، وذلك حد الفرض الكفائي كما قرر المحققون من أهل الأصول فلا بد من أن يقوم به بعض تحصل بهم الكفاية وإلا أثم كل القادرين فالعاجز لا يأثم لقرينة رفع الحرج في نحو قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ)، والقدرة تتفاوت فليست على حد واحد، ليتعلل من يتعلل بعدم القدرة على النصرة التامة فيقعد عن النصرة بما يقدر عليه من ماله أو وقته أو دعائه ..... إلخ فلن يعدم المسدد وسيلة مشروعة لنصرة إخوانه، فليست النصرة بالقتال فقط ليصح الاحتجاج بالعجز عنه، فلا يلزم المكلف شيء بعده!.

يقول ابن تيمية، رحمه الله، في معرض بيان مراحل تشريع الجهاد:

"الجهاد شرع على مراتب فأول ما أنزل الله تعالى فيه الإذن بقوله: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير