تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فلو كان دينا ما تأخر بيان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم له إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة في حقه بوصفه المبلغ عن ربه، عز وجل، وحيه أخبارا وأحكاما وحاجة الناس إلى معرفة الشريعة عموما وأسماء وصفات الرب، جل وعلا، خصوصا، لا تنقطع فهي أعظم مطالب أصحاب الديانة، فإذا سكت القرن الأول، مع تقدمه في هذا الباب فهو خير طباق هذه الأمة علما وعملا، إذا سكت عن السؤال عن تلك المحدثات كمقالة خلق القرآن، وسكت الوحي عن بيانها صار لزاما على كل عاقل أن يسكت عنها فيسعه ما وسعهم، وهذا من باب التنزل مع الخصم في الجدال وإلا فالمقالة بينة البطلان من أوجه أخر قد بسطها أهل العلم الذين تكلموا في هذا الباب.

فلازم مقالة الفلاسفة: الحط من شأن النبوات بتجويز حصول العلم اليقيني في الإلهيات من غير طريقها، وقد التزمها كثير من الزنادقة السابقين والمعاصرين فزعم عدم إكمال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الدين، وزعم افتقار الشريعة إلى تجديد أصولها!، وذلك نسخ لا يكون إلا بوحي جديد، ولا وحي بعد ختم الرسالات برسالة النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الكافية الشافية لمن نظر فيها نظر المستهدي الطالب للحق.

ويقول في موضع رابع بعد ذكر جملة من نصوص التنزيل:

"فَهَذِهِ النُّصُوصُ تُوجِبُ اتِّبَاعَ الرَّسُولِ وَإِنْ لَمْ نَجِدْ مَا قَالَهُ مَنْصُوصًا بِعَيْنِهِ فِي الْكِتَابِ كَمَا أَنَّ تِلْكَ الْآيَاتِ تُوجِبُ اتِّبَاعَ الْكِتَابِ وَإِنْ لَمْ نَجِدْ مَا فِي الْكِتَابِ مَنْصُوصًا بِعَيْنِهِ فِي حَدِيثٍ عَنْ الرَّسُولِ غَيْرِ الْكِتَابِ. فَعَلَيْنَا أَنْ نَتَّبِعَ الْكِتَابَ وَعَلَيْنَا أَنْ نَتَّبِعَ الرَّسُولَ وَاتِّبَاعُ أَحَدِهِمَا هُوَ اتِّبَاعُ الْآخَرِ؛ فَإِنَّ الرَّسُولَ بَلَّغَ الْكِتَابَ وَالْكِتَابُ أَمْرٌ بِطَاعَةِ الرَّسُولِ. وَلَا يَخْتَلِفُ الْكِتَابُ وَالرَّسُولُ أَلْبَتَّةَ كَمَا لَا يُخَالِفُ الْكِتَابُ بَعْضُهُ بَعْضًا قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} ". اهـ

وأما من جاء بعده من الأئمة والمفتين فإن من كان منهم من أهل الحل والعقد ممن أوتي آلة الاجتهاد الكاملة فقد أبيح له النظر لمعرفة حكم الرب، جل وعلا، في النوازل الحادثة بالنظر في الأدلة والأصول الكلية للشريعة الخاتمة، فلا يصدر عن رأيه أو ذوقه المجرد، فذلك هو الاستحسان الذي أنكره الشافعي، رحمه الله، بخلاف الاستحسان الذي مرده إلى الترجيح بين الأدلة الشرعية المعتبرة فذلك باب واسع قد صنف فيه أهل العلم، كالحازمي رحمه الله، استقلالا، وهو باب دقيق لا يستقل بالنظر فيه ترجيحا بين الأدلة صحة أو استدلالا، إلا آحاد الراسخين في العلم ممن بلغوا مرتبة الاجتهاد المطلق، فلا بد في الترجيج من صحة الدليل إسنادا وصحة الاستدلال، فقد يكون الدليل صحيحا ولكنه ليس نصا في محل النزاع فدلالته على المطلوب غير متحققة، وقد يكون نصا في محل النزاع ولكنه ضعيف لا يصلح للاحتجاج، فلا بد أن يكون صحيحا أو حسنا يحتج به، وأن يكون نصا في محل النزاع.

يقول ابن تيمية، رحمه الله، في "مجموع الفتاوى":

"فَالْوَاجِبُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَالْحَدِيثِ الْكَذِبِ فَإِنَّ السُّنَّةَ هِيَ الْحَقُّ دُونَ الْبَاطِلِ؛ وَهِيَ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ دُونَ الْمَوْضُوعَةِ: فَهَذَا "أَصْلٌ عَظِيمٌ" لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ عُمُومًا وَلِمَنْ يَدَّعِي السُّنَّةَ خُصُوصًا ".

اهـ

ويقول في "منهاج السنة":

"فالأصل في النقل أن يرجع فيه إلى أئمة النقل وعلمائه ومن يشركهم في علمهم علم ما يعلمون وأن يستدل على الصحة والضعف بدليل منفصل عن الرواية فلا بد من هذا وهذا وإلا فمجرد قول القائل رواه فلان لا يحتج به لا أهل السنة ولا الشيعة وليس في المسلمين من يحتج بكل حديث رواه كل مصنف فكل حديث يحتج به نطالبه من أول مقام بصحته". اهـ

ثم يأتي بعد ذلك دور الاستدلال الصريح بعد ورود النقل الصحيح:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير