فمن الناس من إذا فارقت روحه جسده لقي محمداً وصحبه كما قال بلال، وكما قال نبينا صلى الله عليه وسلم لخليفته وختنه أمير المؤمنين عثمان لما رآه في المنام في آخر عهده بهذه الدار أفطر عندنا.
بل من المؤمنين من إذا توفى الله نفسه في المنام وقع له ذلك اللقاء العالي لا في اليقظة (فإن من يظن أو يخيل له أنه وقع له ذلك في اليقظة فهو عند اليقظى نائم، ولا يكذبونه أنه وقع له شيء إن لم يتبرهن كذبه ولكن يحيلون أمره على الخيال المحض وضعف تمييزه، فإن الأكابر كانوا يميزون بين يقظتهم ومنامهم فلا يدعون في اليقظة أحوال المنام، ولا يستعجلون ما يقع بعد الموت بإدعائه قبله)
أيش هي الدنيا؟
بشرق أحدنا فيموت ..
ينام النومة فتخرج روحه ..
يقع أو يصدمه شيء فتقبض نفسه ..
علام الاستعجال للشيء قبل أوانه فنجر على أنفسنا العقوبة بحرمانه؟.
هذا كلام معترض لمن يستغنى في الدنيا بالدعاوى الفارغة عن الأسانيد المحققة ومثافنة أخلاف الصدق لأسلاف الحق من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان.
وأما المهتبلون بالأسانيد حتى كأن ليس في الدنيا وربما في الآخرة إلا هي فليحذورا أن تتصل لهم الأسانيد ثم تتقطع بهم الأسباب.
والأسانيد بين طرفيها أنساب معنوية لفظية، وتحقيقها بتحقيق الانتساب بالمتابعة.
فإن كان النسب الحسي الظاهر لا ينفع صاحبه (لا مطلقاً) ولكن إن بطأ به عمله كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
ولكن من اجتهد من المنتسبين حساً أو معنى في المتابعة والعمل ثم قصرت به قواه كما هو الغالب فها هنا تنفع النسبة أي نفع، ويظهر امتياز أهلها ..
قال الله عزوجل:" والذين آمنو واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم، وما ألتناهم من علمهم من شيء، كل امرئ بما كسب رهين".
ولو كانت نسبة المحبة، يحب القوم ولمَّا يلحق بهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لسائله عن ذلك:" المرء مع من أحب"، قال أنس راوي الخبر: فما فرح المسلمون بشيء بعد الإسلام فرحهم بذلك أو كما قال، والخبر مشهور صحته والحمد لله، ولكنه للمحبين العاملين الساعين في اللحاق ولما يلحقوا و (لما) لما يتوقع وقوعه بخلاف لم وأدوات النفي المحض، ففرق بين المقصرين وبين القاعدين (مثال حسي: فرق بين أبي ذر الذي أعيته راحلته يوم تبوك، وبين القاعدين، بل القاعدون أصناف: صنف قعدوا باطناً وظاهراً، وصنف حبسهم العذر فصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه:" ما سيرتم مسيراً ولا قطعتم وداياً إلا كانوا معكم"، وصنف تكاسلوا ثم تراجعوا وندموا فأدبوا وربوا حتى زكوا فزكوا أحسن التزكية في كتاب الله تعالى وهم الذين خلفوا عن قبول توبتهم حتى أنزلها الله تعالى قرآنا يتلى لصدقهم مع الله ورسوله مع قعودهم وتحرق قلوبهم وتلهفها على ما فاتهم).
اقرؤوا أخبار الأكابر ممن سلف من أهل النسبيتين الذين ضموا إلى النسبة تحقيق الانتساب باستفراغ الوسع في المتابعة والاقتداء كيف جبر الله تعالى قصور بشريتهم وجاوز بجهدهم القلتين فلم يحمل الخبث، وجازوا القنطرة، ونجوا.
فالاستخفاف بالنسبتي خفة.
والافتراء فيهما خساسة.
والغلو فيهما ضلالة.
والعدل أنهما كالصفر من الأرقام ليس بعدد ولكن ترتفع به مرتبة الأعداد.
اقرؤوا إن شئتم مثلاً: حض الحافظ الكبير أبي عبدالله الذهبي على الطلب مع إكثاره هو وقوة علمه فيه وكذا تلويحَه في تراجم "السير" و"التاريخ" بفوائد الفن، وتحريضه على تلقي بعض المهمات والعوالي وما علقه يرد على من يستخف بهذه النسبة.
واقرؤوا معه كلامه المنثور في الكتابين وفي "تذكرة الحفاظ" الذي تعرض لنظيره في وصيته للمحدث المكثر الشهير ابن رافع صاحب الوفيات المطبوعة، وفي "زغل العلم" في موعظة طلاب الرواية وسدنة الأسانيد.
فهذا الذي أورده ليس تجريحاً ولا سباً ولا تشفياً كما يصنع المستخفون والمستهزؤون (والطانزون الذين يشير إليهم الذهبي) فإن أولئك يصدرون عن غل وهوى.
ولكن المقصود التذاكر والتذكير لتحصيل الذكرى التي تنفع المؤمنين، من المسندين وغير المسندين، ومن لم تنفعه الذكرى فليراجع إيمانه مسنداً كان أو محدثاً أو حافظاً أو ذا أي لقب ورتبة ..
ولو استغنى المذكر لغيره عن الذكرى فهو أجدر بالانسلاخ عن الإيمان أو كماله.
فأستغفر الله لي ولكم، وأسأله أن يجعلنا جميعاً ممن يستمع القول أو يقرأه فيتبع أحسنه.
وهذا تعليق جاء مكانه هنا بقدر الله سبحانه، وإن كان متعلقاً بجموع مقالات وكتابات أخرى.