[الامام العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ]
ـ[المقدادي]ــــــــ[16 - 12 - 05, 06:04 م]ـ
بقلم حفيده الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ
((الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم: يهدون من ضل إلى الهدى ويبصرونهم من العمى، ويحيون بكتاب الله الموتى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه وكم من ضال تائه قد هدوه فما أحسن أثرهم عل الناس وما أسوأ أثر الناس عليهم.
وصلى الله على نبينا محمد المجتبى الأمين وآله وصحبه وسلم تسليمًا.
أما بعد: فإن الحديث عن العلماء – تبصيرًا بسيرهم، وتعريفًا بحياتهم، ونشرًا لفضائلهم، وإذاعة لمناقبهم – مما ينفع الأمة أكبر النفع، لأن فيه وصلَ الحاضر بالماضي، وحثَّ المتأخر على الاقتداء بسجايا الخير التي تحلوا بها، وفيه معرفة طلبة العلم بحال علمائهم وسيرتهم وفقههم وعلمهم وتقواهم وصلاحهم فينهلوا مما نهل منه أولئك العلماء حتى يلحق الركب بالركب ويقعَ الحافِرُ على الحافر، وفيه تعريف أجيال الأمة المتلاحقة بأن أمتهم ودعوتهم ما وصلت إلى علو الشأن إلا بتوفيق الله وإعانته ثم بجهد وعمل بذله من تقدمهم فإن تواصل العمل تواصلت الريادة، وإلا فالنقص ثم الزوال، وفي الكلام عن العلماء فوائد لا تحصى في مثل هذه المقدمة.
من أولئك العلماء العاملين، والجهابذة المحققين والأئمة المجاهدين الذين أثروا في حياة بلادنا والناس تأثيرًا، تعليمًا ودعوة، وقيادة وقدوة: العلامة الإمام محدث الفقهاء، وفقيه المحدثين، وداعية التوحيد مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب التميمي النجدي.
?مولده – نشأته – أسرته:
ولد الشيخ رحمه الله في حي دخنة من مدينة الرياض في شهر الله المحرم سنة 1311هـ، وأخواله الهلالي أسرة تسكن عرقة، نشأ هذا المولود في بيئة ومجتمع زكي، فأبوه وأعمامه أهل علم ودعوة وجهاد وصف ذلك الشيخ عبد الله بن بسام فقال: " كان مولده في بيت علم وفضل وزعامة دينية، فنشأ على عادة أهله وآبائه محبًا للعلم طموحًا إلى الفضل ".
وينشأ الناشئ يقتبس من أخلاق وأوصاف من حوله، فوالد الشيخ هو الشيخ الورع إبراهيم ابن عبد اللطيف قاضي مدينة الرياض، وله رسائل وفتاوى، كان رحمه الله متميزًا بالعدل الظاهر في قضائه ومقابلة الخصوم، وكان ناظمًا للشعر مجيدًا له كأبيه عبد اللطيف.
وأما أعمام الشيخ محمد فأكبرهم الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف عالم نجد بعد أبيه، وقائدها وكريمها، بهر الرجال بحنكته وعقله، وأدهشهم بعلمه وفضله، هابه أمراء المدن والأقاليم الذي عقبوا آل سعود فيما بين الدولتين السعودية الثانية والثالثة، فأظهروا محبته تارة وأضافوه في بلادهم، وأكرموه، فما حل ببلد ولا قرية إلا نشر دعوة التوحيد والعلم النافع ثم رجع إلى الرياض، ثم لما قدم الملك عبد العزيز رحمه الله الرياض كان سنده وعضده بعقل وحكمة، بل إن كثيرًا من جند الملك عبد العزيز كانوا من المتأثرين بالشيخ المتخرجين في حلق علمه ومدرسته، رحمه الله رحمة واسعة.
وكذلك بقية أعمام المترجم له كانوا أهل علم وفضل كالمشايخ محمد بن عبد اللطيف وعبد العزيز وعبد الرحمن وعمر، ولهم أخبار وأحوال كالعبير رحيقًا، وصفهم الواصفون بنعوت أشبهوا بها الأوائل سمتًا وهديًا وعبادة وصلاحًا وعلمًا، رحمهم الله ووفق ذرياتهم.
نشأ الشيخ في هذه الأسرة فلا غرو أن أثرت فيه، وقد نهل منها واحتذى حذوها، فتوجه بتوفيق الله من أثر هذه البيئة والمجتمع الذي حوله إلى العلم قابسًا من عقل ذوي العقل، وتقى ذوي التقى، وغيرة ذوي الغيرة وكلهم ذاك الرجل، فطلب العلم على قاعدة الدين والعمل والعقل والغيرة لله فكان ذلك معلمًا بارزًا لنبوغه وتهيُّؤه للقيادة والريادة.
لما بلغ السابعة من العمر أي سنة 1318هـ شرع يتعلم القرآن بتجويده نظرًا على المقرئ ذي الصوت العذب المؤثر عبد الرحمن بن مفيريج، فأجاده نظرًا، ثم ابتدأ حفظه في سن الحادية عشرة، وتعلم الكتابة وكان إذ ذاك مبصرًا، وكتابته في صغره حسنة على أصولها كما ينبئ عن ذلك ورقة فيها كتابته إذ ذاك.
¥