تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

انتقل إلى عفو ربه ورحمته العلامة الشيخ محمد البشير النيفر في السادس عشر من سنة 1974 وننشر فيما يلي نبذة عن حياته العلمية وعن جهوده المبذولة من أجل الحفاظ على دين الله في هذه البلاد بعيدا عن الزيغ والأهواء كتبها الشيخ محمد الصالح النيفر كما ننشر إثر ذلك رسالة كان كتبها لجمع من الشباب المسلم ونحسب أنها آخر ما كتب لجمع من الشباب المسلم ونحسب أنها آخر ما كتب في حياته الحافلة بالصلابة في الحق والدعوة إلى الله.

أهم ما يلفت نظري في تراجم الناس وسيرهم ما يكون مثلا طيبا يتخذها من بعدهم قدوة حسنة لهم فالكتب ملآنة بفضائل الأخلاق ومكارمها ولكن عمل الناس بها قليل جدا وأرى أن أهم ما ينفخ روح الحياة في هذه الفضائل ويصورها ماثلة أمام أعين الناس حتى يرونها ماثلة في واقعهم متجسمة في من يعرفون منهم وكذلك بعث الله تعالى رسوله العظيم صلى الله عليه وسلم منفذا للقرءان الكريم ومبينا له فكان عليه الصلاة والسلام خلقه القرءان وسيرته مثالا يحتذى لهداية الإسلام (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر)

ولذا فإني حين أتحدث لإخواني عن الشيخ محمد البشير النيفر رحمه الله لا أشيد كثيرا بعلمه وفصاحته وذكائه وأدبه وسرعة بديهته فتلك صفات منها الموهوب ومنها المكتسب ولكن لا أراها هي السير التي تروى بين الناس في المقام الأول وإنما أروي ـــ ما ألفت نظري ـــ من فضائل الشيخ مما يصلح أن يكون قدوة حسنة.

شجاعته في الجهر بكلمة الحق: بعد حادثة التجنس المشهورة ووقوف المسلمين بتونس ضد المتجنسين بجنسية دولة تخالف قوانينها قانون الإسلام في الأحوال الشخصية والعامة رغم ما أحاط به المستعمر نظام التجنيس من مغريات متعددة ووقعت من جراء ذلك تلك الأحداث الدامية والمشهورة فلم يقتنع المستعمر إذ ذاك بإفلاسه فيها فاتخذت فتوى في توبة المتجنس باعتبار أن المتجنس يتجنس ثم يدعي التوبة وإذا قلنا بقبول التوبة فإن المتجنس يرجع كما كان في الوسط المسلم ولا يلفظه ذلك المجتمع في حياته ولا بعد مماته وبذلك يسير التجنس تحت هذا الستار والدعوى المفتعلة ويهون أمره بين الناس بغير نكير وأحاط المستعمر هاته الفتوى المصطنعة بالقوة والسلطان والإرهاب وبوادر البطش لمن تحدثه نفسه من أهل العلم أن يتحداها فدعاني الشيخ رحمه الله إلى منزله بتونس وقال لي: ماذا نقول أمام الله والناس يسألوننا عن حكم الله في هذه البدعة ونحن صموت؟ ثم أردف قائلا وقد رأيت أن أصدع بما علمني الله في ذلك وتلا علي صحيفة من خطه فيها نصوصة تنطبق على الموضوع وأن فاعل هذا يعتبر زنديقا متلاعبا لا يقبله الوسط المسلم بحال مستدلا بنصوص من المذاهب الأربعة وكانت الصحيفة ممهورة بإمضائه فحملقت قليلا في وجهه صامتا فقال لي أوتنكرها أو تنكر شيئا منها قلت لا ولكن أحمد الله أن لا يزال في علماء الزيتونة من يقتحم المخاطر على هولها دفاعا عن دينه ويجهر بكلمة الحق ثم سلم الصحيفة إلي وقال انشرها حيث ترى ولم تكن الصحف العربية إذ ذاك بما عليها من الرقابة تحتمل نشرها فذهب بها إلى صحيفة " لاكسيون" بعدما استنسختها بخطي وأمضيت عليها احتياطا من أن تنال يد السوء الشيخ رحمه الله في ذاته أو في وظائفه ثم نشرت بدون إمضاء منسوبة إلى بعض العلماء بدون تعيين وقعت حولها ضجة خصوصا في دوائر السلطة الغاشمة ولعلها لم تتوصل إلى معرفة المصدر الحقيقي للفتوى فلم يمس الشيخ منها أذى.

مثال من نصيحته لأولى الأمر: لما تولى الشيخ رحمه الله الإمامة الأولى لجامع الزيتونة وكان من العادة ان يكون ختم دروس الحديث ليلة السابع والعشرين من رمضان بدرس يشهده العلماء والعموم ويحضره رئيس الدولة والوزراء كان درس الشيخ إذ ذاك في قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا".

وذكر ما روي عن الإمام علي ابن أبي طالب في ذلك أنه (حق على الإمام أن يحكم بالعدل ويؤدي الأمانة فإذا فعل ذلك وجب على المسلمين أن يطيعوه) لأن الله تعالى قال (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل). ثم أمر بطاعة الإمام بعد ذلك فالله بعدما أمر الحكام بأداء الأمانة وإقامة العدل امر الناس بطاعتهم في ذلك قال تعالى (فإن تنازعتم في شيء .. ) أي تجادلتم واختلفتم (فردوه إلى الله والرسول .. ) اي ردوا ذلك الحكم إلى القرىن والسنة (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الىخر .. ) مع قوله تعالى (ولو ردوه إلى الرسول وأولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) وفسر (الذين يستنبطونه منهم) بأنهم الذين فقهوا كتاب وسنة رسوله وأن على الحاكم ـــ بمقتضى هذا ـــ أن لا يبت في شيء من القوانين كلها حتى يراعي موافقتها لكتاب الله وسنة رسوله بموافقة المتفقهين لكتاب الله وسنة رسوله بموافقة المتفقهين في الدين.

وقد رفض الشيخ قبول خطة الفتوى لما عرضت عايه حينما رأى من نفسه عدم القدرة على القيام بحقوقها وواجباتها.

هذه بعض مواقف الشيخ رحمه الله أثبتها كما عرفتها وعرفها إخواني وله مواقف غيرها في الذود عن الحق والدفاع عن نصاعة أحكام الإسلام مع أنه كان رحمه الله لا يود التحدث عنها كثيرا ولقد اكتفيت بهذه المثل توضيحا لمواقفه رحمه الله، تلك المواقف التي نكبره عليها ونترسم خطاها.

الشيخ محمد الصالح النيفر

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير