تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

واحميده النيفر ... تطورت العملية اذن الى لقاء ضم 40 نفرا اغلبهم من الطلبة اسفر تقويمهم على ان الطريقة التبليغية لا تجدي مع نظام شمولي في كفره وانتهاكه لكرامة الانسان فكانت اللبنة التاسيسية الاولى تنظيميا وفكريا وسياسيا للحركة الاسلامية التونسية المعاصرة تحت الارشاد الروحي والتوجيه الابوي من الشيخين المرحومين محمد الصالح النيفر وعبد القادر سلامه وبانتخاب الشيخ راشد الغنوشي اميرا للمجموعة الصغيرة وتعيين نائب له وظل الامر كذلك حتى محطة 1979 ثم محطتي ماي وجوان 1981 حيث ظهر الشيخ المرحوم محمد الصالح النيفر في الهيئة التاسيسية للحركة وعلى منبر الاعلان عن الحركة في المؤتمر الصحفي في مكتب الشيخ عبد الفتاح مورو بعمامته البيضاء الجميلة وزيه العلمي التقليدي الزيتوني التونسي كانه اسد هصور يؤازر شبابا يافعين عقدوا العزم على اعادة الاعتبار للزيتونة فحصل الوصل المطلوب بين تونس الزيتونة وتونس الحركة الاسلامية الحديثة. ثم ظل الشيخ المرحوم المرشد الروحي للحركة الجديدة والصحوة الحديثة حتى وافاه الاجل وناداه ربه اليه.

2 ـــ وعاود مرة اخرى ضمن مرحلته الجهادية الجديدة المفعمة بروح الشباب الاسلامي المعاصر الحالم باسلمة الحداثة اصدار لسانه " المعرفة " الذي ظل ملجما عقدا كاملا من الزمن بعد ان اخرسه الصلف البورقيبي فكانت المعرفة بحق باعثة الصحوة الاسلامية في مطلع السبعينات حتى عاودتها المحن مع موقفها الاسلامي الاصيل من وحدة جربه بين تونس وليبيا انتصارا لوحدة الشعبين المسلمين ولما لم يكن بورقيبه المتفرنس حتى النخاع يومها متحمسا لوحدة عربية ولا اسلامية ولا حتى تونسية حيث فجر المفهوم العائلي والقبلي لصالح المواطنة المرتهنة للدولة المركزية ... اغلق المجلة مرة اخرى واعتقل الشيخ المرحوم. وكان ذلك عام 1974.

* كما نال الشيخ المرحوم نصيبه من الاعتقال والتعذيب رغم كبر سنه اما علو قدره فامر لا يكفر بورقيبه وازلامه بشئ كفرهم به ومن ذلك اعتقاله صحبة بعض اخوانه وتلاميذه يومي الخامس والسادس من شهر ديسمبر من عام 1979.

* مما يؤثر عن الشيخ المرحوم فيما يرويه عنه انجب تلاميذه الشيخ راشد الغنوشي الذي لا يكاد ينفض عن مجلس حتى يذكره بخير ويثني عليه بما هو اهله ويعلمنا من ادبه وحلمه وفقهه ... انه كان مثالا للاخوة الكريمة حتى مع تلاميذه ففي حادثتي اعتقاله والتحقيق معه مثلا بمناسبة رفض السطلة لموقف لسانه " المعرفة " من مسالة الرؤية ومسالة الوحدة كان الشيخ المرحوم لا يعلم الموضوع ولا ما كتب عنه اصلا فلما ووجه من لدن الزبانية بالمقال اعترف وتحمل المسؤولية عنه كاملة وكانه هو الذي فكر وكتب وقال لهم تماما كما واجه بورقيبه عام 1956 وهو في عز طغيانه " كل ما يكتبه الغنوشي واحميده النيفر والجورشي ــ وهم الثلاثي الذين تداولوا على رئاسة التحرير ــ اتحمل مسؤوليته بالكامل " فسقط في ايدي الزبانية وكانوا في الحقيقة يهدفون الى دق اسفين اثم في علاقة الشيخ المرحوم باعتباره زيتونيا كبيرا وبين الشباب الاسلامي المعاصر. ولما افرج عنه وهم الشباب بمقابلته ظنوا انه سيعاتبهم او ان يطلب منهم اعلامه على الاقل في المستقبل بكل ما يسطرونه حتى يستعد لمواجهة التحقيق البوليسي ففوجئوا اذ استقبلهم ببشاشة الاب الحنون وحلم الوالد الكريم وشفقة المعلم المخلص ولم يشر اليهم لا تلميحا ولا تصريحا بما يفيد انه غاضب.

* ومما يرويه الشيخ راشد كذلك في هذا الصدد انه كان وهو يتلو البيان التاسيسي للحركة ويرد على اسئلة الصحفيين يوم السادس من جوان من عام 1981 يشعر بارتعاشة في يديه لفرط الرهبة من حضور الشيخ المعلم والمربي الكبير ذي الثقافة الزيتونية التي قد يبدو للوهلة الاولى ان الشيخ لا يسمح بحداثة اسلامية تتبنى الديمقراطية وتولي المراة لسائر السلطات والولايات والاعتراف بالاحزاب الشيوعية وسائر مظاهر التجديد في الحركة الاسلامية التونسية المعاصرة مما هو معروف غير ان الامر مغاير تماما فالمرحوم جمع حقا بين كل مناقب الجهاد الاسلامي المعاصرة أي بين النص والمقصد والواقع.

* وشاء الله تعالى ان يتطور الامر في تاريخ تونس الحديث بعد الانقلاب الاسود المشؤوم في نوفمبر عام 1987 في اتجاه مزيد من التضييق على مساحات الحرية والتدين وبعد حوالي خمس سنوت من حرب ضروس على كل مظاهر التدين وفق خطة تجفيف منابع التدين. مات الشيخ المرحوم محمد الصالح النيفر كمدا بعد ان فرضت عليه رقابة بوليسية مشددة في بيته وبعد ان فارقه تلاميذه بعضهم الى السجن وبعضهم الى النفي القسري الذي ذاق هو نفسه مرارة علقمه وبعضهم الى الموت البطئ او الى الموت المعجل وكانه يختار الرفيق الاعلى سبحانه بعد ما اكفهرت بلاد في وجهه الكريم كان في يوما ما فارسها المغوار بين عرصات العلم في الزيتونة او في ردهات الاعلام الاسلامي الاصيل او في وغى الجهاد ضد المحتل الفرنسي ثم ضد وكيله المحلي ثم تبعه اخوه المرحوم بن سلامه وبالاخوه وسائر من معهم.

فالى روح ابي صحوتنا الاسلامية وراعي حركتنا ومرشدنا الاول المرحوم سيدي محمد الصالح النيفر الف سلام من الله وسلام والى ارواح كل مشايخنا ومؤدبينا اجمعين نقول علمتمونا الا ننحني للاعاصير والا نجزع امام الاساطيل والا نتهاوى تحت اقدام الجبابرة والطغاة معتصمين بحبل الله القويم املين دوما في وعده الحق مجاهدين على درب كرامة الانسان وتحريره من كل العبوديات مهما استحكمت بقوة السحر او بقوة النار ... فقروا عيونا فنحن بفضل الله على الدرب حتى نلقاكم ونلقى الله تعالى والموعد كما علمتمونا على ضفاف الحوض والجائزة شربة ماء زلال من اكرم مخلوق واحنى يد وابتسامة من ازهر ثغر على صاحبه افضل الصلاة والسلام.

قر عينا ياسيدي فتلاميذك نجباء وتونس في بؤبؤ العين نذود عنها ما دامت فينا عين تطرف وقلب يخفق.

الهادي بريك- ألمانيا

المصدر: تونس نيوز 24 أكتوبر 2003

ملاحظة: نقلت التراجم دون قراءتها

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير