في الماضي ليس بالبعيد وفي حاضرنا يحاول المصدر الثلاثي أن يكيف ويطور ذاته في محيطه بزيادة حرفية جديدة ويتجه نحو دمج قياسي وليس تناغمي والأمر لن يكون سهلا كالعود ألذي أُضيف إليه الوتر السادس، لأنه يحتاج إلى نقلة حضارية وثقافية مهمة تواكبه في الكم والنوع. عندنا المثال قـ/شعر من الإفتراض شعر أو شعور مع حرف القاف الآتية ربما من الجذر قف لتعطي المعنى في وقف الشعر وتقشعر الجلد. هكذا ترتيبة من المصادر الرباعية سوف لن تفرض نفسها في المستقبل ولكن ربما المصدر نفسه سوف يتطور من أحد اوزان المصدر فَعَلَ أو من وزن جديد آخر ليصبح بالتصريف القياسي منهجا لتصدير المصادر الرباعية والخماسية في المستقبل البعيد حتى يتكيف مع المصطلحات العلمية والقياسية المعاصرة.
فرضية تواريخ اللغة العربية وقدمها.
نحن نعرف أن وقت ظهور الفينيقيين في بلاد الشام يعود إلى قبل 3500 سنة تقريبا أي أن وجودهم في الشام قد سبق هذا التاريخ بكثير. ولكن عندما يستمع أحدهم لقصيدة باللهجة الفينيقية سيظنها لشاعر عربي كتبها بالدارجة اللبنانية أو التونسية أو كلاهما مع بعض الفروق ألتي لا تذكر. فاءذا كان الإنسلاخ بين الفينيقيين والعرب قد تم قبل حوالي 4000 سنة ولم تحدث تلك الفروق المهمة بينهما كما ألتي حدثت مع الأكدية، فمتى إذن تم انسلاخ الأكديين عن حاضنتهم الأم الجزيرة العربية ولا نقصد تاريخ ظهورهم في وادي الرافدين؟ أليس هم اقدم في إنسلاخهم بكثير من تاريخ إنسلاخ الفينيقيين؟ حسب النظريات يعود ظهورهم في العراق ما بين 4500 الى 6 آلاف عام قبل الحاضر، ومع ذلك كان المصدر الأكدي الثلاثي الحروف بأتم صوره. وإذا إدرجنا العامل الزمني في البعد بين المصرية القديمة ذات المصدر الثلاثي الأحرف بينها وبين الأكدية بالنسبة للعربية سيتبين لنا أن المصريين كانوا يستخدمون المصدر الثلاثي في حدود قبل 10 آلاف عام على أقل تقدير. وإذا حسبنا مدة التطور بين فترة لغوية وأخرى في تلك الحقب وألذي لم يكن سريعا كما هو الحال اليوم بفضل وسائل الإتصال, سنستطيع إذن أن نبني الفكرة ألتي تقربنا من حدود كينونة المصدر الثلاثي ونعزيه لفترة ما بعد إنتهاء العصور الجليدية أي قبل حوالي 15000 عام فما دون، هذه الفترة ألتي سادتها الزراعة والهجرات في البحث عن أرض جديدة ومصادر مياه، وكانت فترة طويلة وشاقة حفزت الأنسان على تطوير جميع وسائله ومنها وسيلته اللغوية لتلائم متطلبات زمنها.
فاللغة العربية هي الأم لجميع اللهجات الأخرى ميتة وحية كالأكدية والبابلية والآشورية والآرامية والفينيقية والنبطية وغيرها لأنها هي الوحيدة ألتي بقت في الجزيرة العربية في المكان الأصل والمصدر ومنذ القدم فهي إذن صاحبة الأصل والمصدر، وأحد الادلة النحوية الكثيرة أنها حافظت على نظام جمع التكسير وتفننت به ألذي هو من ميزات اللغات القديمة والأصيلة في دراسة علم التأصيل والتأثيل. فكلما كان تاريخ الأنسلاخ قديما كلما ندرت مفردات جمع التكسير والأكدية خير مثال فهي كل التي تحويه من مفردات جمع التكسير لا يعد بعدد أصابع اليد الواحدة وكلما تقربنا زمنيا من الأصل كلما زادت هذه المفردات، إلى الآرامية و الفينيقية ولكنهما تبقى أقل مما تحويه العربية من مفردات جمع التكسير.
ان مصطلح اللغات الجزرية هو خطأ علمي آخر وقع فيه الباحثون دون دراية في تعويض المصطلح العنصري "السامية"، فمصطلح الجزيري أو الجزري بظاهره حيادي ويعتمد على المفهوم الجغرافي ولكن في باطنه يجرد أصحاب هذه اللغة من صيرورتهم وحضارتهم ويطمس حقيقة وأصل لغتهم الآدمية وألام. إذا كان انسان في مكان فهل يصح لنا أن نلقبه بمكان ولغته المكانية؟ إذن الجزري هو مصطلح لا بعد له سوى معنى الفضاء ألذي يتيه فيه السؤال والإبداع، وعليه يجب أن نسمي الأشياء بمسمياتها العلمية الحقيقية اأتي تفرض نفسها.
الخاتمة
اللغة العربية ليست هي فقط للكلام والكتابة والأعراب، هي لغة تحكي عن نفسها، في كل كلمة وحرف كان هناك تاريخ الأنسان الاول، عبرت الزمن البعيد لتسرد لنا اليوم بإحترام شديد أصل معانيها ألتي تتنسق وتتسلسل في داخلها مواقع الحروف وكل حرف هو حدث عاشه ذلك الأنسان يخبرنا عن كيف فكر وتأمل وفرح وعانى في بيئته وطبيعته. علينا نحن الأحفاد أن نصون هذه اللغة الرائعة بأمانة لأنها ليست فقط إرث العرب وإنما هي إرث الإنسان بمعناه الشامل والعام. في هذا البحث اللمحة نحن بعيدون عن الإلمام برسم الصورة الكاملة لصيرورة الجذور والمصادر. هذا البحث لا يمكن أن يكون سوى إنطلاقة لإرساء بداية جديدة في تأصيل المصدر العربي والله المعين. صدق من قال أن آدم كان ينطق بالعربية.
نائل عبد المجيد عبد العزيز
[email protected]
بعض المصادر
علم المصطلح؛ أسسه النظرية وتطبيقاته العملية تأليف: علي القاسمي
لسان العرب و المعجم الوسيط
Cours d'Egyptien Hiéroglyptique : Pierre Grandet- B. Mathieu
Origin of The Languages : Merritt Ruhlen
The Climate Changes of Mesopotamia : W. Nutzel
The Arabian Gulf : Oxford D. Potts
The formation of the Arabian Gulf from 14ooo B.C ; Nutzel, W.Sumer (1975)
The Pennsylvania Sumerian Dictionary
The Chicago Assyrian Dictionary