ومن ذلك المعركة الكبرى التي خاضها علماء العربية في لفظ الجلالة (الله) أهو مرتجل أم مشتق؟ وإن كان مشتقا فهل اشتقاقه من (اله) أو من وله أو من (لاه) وما هو أصله على كل من هذه الأوجه وماذا جرى عليه من الحذف والإدغام حتى بلغ صورته التي هو عليها؟ ومن تعلم شيئا من اللغات السامية أخوات اللغة العربية لا ينقضي عجبه من الخائضين في تلك المعركة ويرى جهودهم ضائعة ويحكم يقيناً أن الاسم الكريم مرتجل بلا مرية وهو بعيد كل البعد من الاشتقاق ([45])، فإنه ثابت بهذا اللفظ في جميع اللغات السامية ففي السريانية (الاها) والشرقيون منهم ينطقون به (الاهو) وهو كذلك في الآشورية بفتح الهمزة في اللغات الثلاث وبالعبرانية (الوهيم).ولا تختلف الشعوب السامية فيما أعلم في هذا الاسم الكريم و كذلك في مجموعة اللغات اللاتينية، وفي مجموعة اللغات الجرمانية الاسم الكريم عندهم واحد مهما اختلفت لغاتهم في الكلمات الأخرى لا تختلف فيه.
مثال يدل على تقارب اللغتين العربية والعبرانية
جاء في ترجمة يوسف رو فلين للقرآن الكريم بالعبرانية في أول سورة الصف ما نصه مع استبدال الحروف العبرانية بحروف عربية (باراششت همعراخا) سورة المعركة ([46]) (بشم الوهيم هارحمان هارحوم) يشبح اث الوهيم كل أشربشاميم وغل أشر باآرص وهو هكبورو هحاخام همأمنيم لا ماتوا مروات أثر لو تعسوا) بسم الله الرحمن الرحيم {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ}. فأنت ترى أن الألفاظ كلها مشتركة من أول البسملة إلي قوله تعالى: (لم) إلا أن لفظ (سبح) أبدلت سينه شينا وحل المضارعمحل الماضي، وهذا الفعل في العبرانية متعد بنفسه وكذلك في العربية قال تعالى في سورة ق.40: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} و إلا ترجمة (ما) الموصولة باشر وزيادة (كل) لأن الترجمة إنما هي تفسير و إبدال سين السماوات شينا وجمعها بالياء والميم واستعمال (باء) الجر في موضع (في) وهو جائز في العربية قال تعالى في سورة الصافات137 ـ138 {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} و إبدال ضاد الأرض صاداً و إبدال العزيز بالجبار (هكبور) وهما متقاربان في المعنى ([47]) و إبدال الحكيم (هحاخام) وهما شئ واحد إلا أن الكاف أبدلت خاء.
وترجمت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} بـ (همأمينيم) يعني المؤمنين. ترجمت (لم) بـ (لاما) وتقولون بـ (تومرو) وترجمت (لا) بـ (لو) وهما شيء واحد بإمالة الألف إلى الواو وترجمت تفعلون بـ (تعسوا) الواو في (تومور وتعسو) واو الجماعة وحذفت النون فيهما بلا ناصب ولا جازم كما تحذف في العمليات العربية ([48]) وهذه النون هي نون الرفع وهي ثابتة في التوراة في مواضع تفوق الحصر وليس كما قال بعض المستشرقين في خمسة مواضع فقط.
أمثلة من الكلمات التي قيل إنها وقعت في القرآن من غير العربية
1ـ أباريق
قال السيوطي في الإتقان:"حكى الثعالبي في فقه اللغة أنها فارسية، وقال الجو القي الإبريق فارسي معرب ومعناه طريق الماء أو صب الماء على هينة.
قال في لسان العرب والإبريق إناء وجمعه أباريق فارسي معرب، قال ابن بري شاهده قول عدي ابن زيد:
ودعا بالصبوح يوما فجاءتقينة في يمينها إبريق
وقال كراع هو الكوز وقال أبو حنيفة مرة هو الكوز وقال مرة هو مثل الكوز وهو في كل ذلك فارسي وفي التنزيل {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ} وأنشد أبو حنيفة لشبرمة الضبي:
كأن أباريق الشمول عشيةأوز بأعلى الطف عوج الحناجر
وقال الفيروز أبادي في القاموس: "الإبريق معرب (ا ب ر ي) جمع أباريق."اهـ.
قال بعض العلماء هو مركب من كلمتين (آب) وهو الماء و (راه) وهو الطريق، وقيل مركب من (آب) وهو الماء و (ريختن) وهو الصب على مهل قاله أرثر جفري:
في كتابه الألفاظ الأجنبية في القرآن: the foreignvocabulary of the quran
2 ـ الأب
¥