تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقفت بعيدا وتركتها تفرغ ما بها من ألم وخلت نفسي أكثر أهل الأرض شفقة بحالها. بقيت واقفا مكاني. لم ينطق لساني بكلمة فكل عبارات المواساة لا تخفف كربتها وأن الدموع خير أنجع في مثل هذه الأحوال؛ هكذا ظننت. بقيت وقت طويلا حتى أمتد قرص الشمس في كبد السماء. قامت الفتاة بعدها واقتربت نحوي. وطلب مني إحضار دلو ماء. هززت رأسي ومضيت ملبيا.قصدت منزلها كونه الأقرب وملئت دلوا. ورويت ما ألم بي من ظمأ وأخذت لها ما تروي به ظمأها. وجدتها توسطت القبور الأربعة وهي تتأملها. وما أن رأت ظلي يمتد في الأرض حتى قامت وأخذت الدلو من يدي. ومددت يدي بكوب الماء فرشفت منه رشفة. وحملت الدلو وأخذت تنثر الماء والدمع معا، حتى أفرغت ما في الدلو ولم يفرغ ما في مدامعها.تنفست الصعداء والتفت إلي واقتربت صوبي. وشكرت لي معروفي.وعاودت التأمل في القبور وقالت لي " ذهبوا جميعا وتركوني، منذ شهرين أصيب أخوتي بحمى قضت عليهم ودفنا هناك. اتبعتهم أمي بعد إصابتها بنفس الحمى وجاورتهم. وبقينا أنا وأبي نرقب غزو الحمى لجسد أحدنا وتقضي عليه. فكان أبي الأسبق ولا أخفيك فقد رجوت الله أن يسبقني. فحسبه ما ألم به من المحن. وها أنا الآن انتظر أن دوري .. " قالتها وهي ترقب القبور وتبتسم وكأنها تحلم بجوارهم. أكملت كلامها وقالت لي

" هل لك أن تكمل صنيعك معي ". أحسست برعشة وكأني أعلم سلفا ما تريده , لم أرد عليها إنما اكتفيت بالنظر للقبور وأتخيل قبر خامس يجاورها. هززت رأسي واستعذت من الشيطان محاولا طرد المشهد. نظرت إلي وقالت مبتسمة " متأكدة أنك ستكمل صنيعك ". لم أرد عليها وشحت بوجهي عنها في حين توجهت هي إلى القبور وأخذت تناجيها مبتسمة.

أشرت بيدي لها مستأذنا بالانصراف. نظرت إلي وأشارت إلى مساحة تجاوز القبور الأربعة. أطرقت ببصري وعدت إلى حيث فانوسي وتوجهت إلى منزلي بعد ليلة مُرّة الأحداث. مر الوقت سريعا وغابت الشمس مودعة الأفق. ولا يزال فكري مشغولا بالفتاة. إلا أني حاولت طرد تلك الوساوس. فلم يكن باد عليها أي من علامات المرض. مضى يومان من تلك الحادثة. والأفكار تعبث بي، وتسرق النوم من أجفاني، حتى لم استطع لها حملا. وفي ليلة لم يبزغ بها ضوء قمر، حملت فانوسي ومضيت إلى حيث الفتاة. وجدت باب بيتهم مفتوح، من شدة خوفي طرقت الباب عدة مرات. ولم أجد جوابا. دخلت وقلبت أرجاء البيت فلم أجدها فيه. ازداد خوفي. وتوجهت مهرولا حيث القبور الأربعة. وصرت أقلب المكان بفانوسي لشدة الظلمة وإذ بجسدها يتوسط القبور. اقتربت منها وأدنيت فانوسي استشعر إن كان بها رمق , ولم يكن. بل وجدت ما فجر مدامعي، كان آخر عهد لها بالحياة رسالة موجهة لي. فقد نقشت على الأرض " أكمل صنيعك معي "

أمتد بصري لجثتها وما سطرته وتراجعت للوراء. والدموع تسقط رغما عني. لم انتبه لنفسي إلا وأنا متسمرا في غرفتي. وفانوسي في يدي. تحوم حوله فراشات الضوء. تذكرت الفتاة والوصية. طرقت أبواب غرف من في المنزل. قصصت عليهم نبأ الفتاة. وسقتهم إلى القبور الأربعة. وما هي إلا لحظات حتى جاورها الخامس. عادوا جميعا، وبقيت أنا أتوسط قبور تلك العائلة وعيناي تنزفان دمعا. لم أشعر بنفسي إلا والليل يودع ثلثه الأخير. قمت وتوجهت صوب فانوسي. مضيت به حيث منزلهم. أغلقت الباب وعلقت الفانوس على مقبضه. وقفت فترة أتأمل تراقص فراشات الضوء. عدت بعدها لمنزلي بلا فانوس وبلا فراشاته. غفوت ما بقي من ليلتي تلك. وعندما توسدت الشمس السماء. قبلت رأس والدي وخرجت قاصدا السوق وعدت منه حاملا فانوسا جديدا منتظرا حلول ثلث الليل الأخير لأشعله والتمس هواءا نقيا وأمضي به حتى لا تقوى قدماي علي حملي ....... "

ـ[عماد كتوت]ــــــــ[21 - 06 - 2010, 12:00 م]ـ

غفر الله لك أختي الكريمة، كان عليك أن تضعي قصصك واحدة تلو الأخرى مع ترك مسافة زمنية بينها حتى تتسنى قراءتها والتركيز فيها، فإن رغبت سأحذف هذا الموضوع على أن تعيدي نشر القصص مرة أخرى.

وفقك الله.

ـ[عزّي إيماني]ــــــــ[21 - 06 - 2010, 12:57 م]ـ

ألا يمكن أن تحذفها وتبقى على الأولى؟؟

لم أجد خيار تحرير المشاركات

ـ[السراج]ــــــــ[21 - 06 - 2010, 01:00 م]ـ

عزّي إيماني ..

سنعود ريثما تتأجج أفكار هذه القصص في أذهاننا، نطلبُ مهلة لقراءة تأمل.

ـ[أحمد رامي]ــــــــ[21 - 06 - 2010, 11:32 م]ـ

لأنك أنثى وتتكلمين باسم شاب في القصة وقعت في هنة وهي نسيان الصلاة على الميت

ولي عودة إن شاء الله

ـ[عزّي إيماني]ــــــــ[23 - 06 - 2010, 12:39 م]ـ

أخي / السراج في انتظار عودتك ..

أخي / أحمد رامي .. شكرا لك على الملاحظة الممتازة.

في انتظار المزيد بارك الله فيكم

جزيل الشكر والامتنان.

ـ[السراج]ــــــــ[23 - 06 - 2010, 08:51 م]ـ

(ملاحظة أحمد رامي في محلها)

من قراءة أولية ..

عزّي إيماني، رائعة القصة بشكل عام.

تصوير كثيف لدقيق الأشياء، حيثُ حفلتْ تلك الأشياء بضوء كلاسيكي تنبض بالأحداث التي سارت - كما أردتيها - مفعمة بتسارع بطيء، إلا أنني وجتُ نفسي في بطء شديد فهم فكّ خيوط الأحداث الختامية.

أعجبتني عبارة القفل في الحدث الأول (رافق حشرجته نوح أنثى)

فانفصال ما بعدها أوحى بولادة حدث أو عقدة.

أسألك: ما الرمز الذي أردتِ به (الفانوس) من تكراره لصحبة الشخصية الرئيسية؟

فاتني أن أشير لبعض الأخطاء النحوية هنا:

(جفنيّ)

(وجدتُ باب بيتهم - مفتوحاً -)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير