تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تحركوا مرددين شعارهم التاريخي بأصوات صاخبة رغم أنها متنافرة وغير منسجم بعضها مع البعض الآخر. أما الرئيس فقد بقي غارقا في الولولات والبصاق والشتم لهذه الساكنة المختلة جميعا. فمن المعلوم أنهم لم يتحركوا حتى أنهى مشروعه بحيث أصبح من الصعب أن يتراجع. ولما وصل الحشد إلى مقر المجلس الجهوي وجده قد أُغلق لأن الشمس كانت قد أوشكت على الغروب. وكان على الحشد أن يقضي ليلته في العراء. في البداية فرح أعضاء اللجنة التنظيمية إذ لم يجدوا من زبانية الأمن أي سوء. ولكن ما إن انتصف الليل حتى انسحبت فئة المجانين بالكامل وبأعجوبة. لم يفهم أحد من أفراد اللجنة التنظيمية كيف تم هذا التوافق والاتفاق بينهم وبهذه السرية والدقة والسرعة. تفرق المجانين عبر الأزقة وشوارع المدينة. وعندئذ أقسم شيخ القرية بأن يقاتلهم قتال أهل الردة مستدلا على مشروع سلخهم بما حل بمسيلمة الكذاب على يد خالد بن الوليد في عهد الخليفة الراشد أبي قحافة الصديق رضي الله عنه. أقسم أن يقاتلهم ولا شيء يوقفه عند حده إلا إحدى الحسنيين؛ النصر أو الشهادة. إنها حرب مقدسة كما قال الشيخ ومن مات فيها، من مقاتلي البدو، سوف يكون من شهداء المسيرة بلا شك. لم يشترط شيخ القرية على صف المجانين إلا أن يعودوا إلى أماكنهم ويواصلوا التظاهرات، أمام مقر الولاية بلا أدنى مراوغات، وإلا فالسلخ.

اندلع القتال، بعد لحظات بين صف المجانين، الصعب تطويعهم على ما يبدو، وبين أميي البدو الأكثر منهم شراسة وبأسا على كل حال خاصة وأن المجانين أغلبهم من المدينة، وبالتالي فهم ليسوا بمستوى الخشونة التي يتمتع بها أهل القرية والذي لا فرق أحيانا بين صفعة أحدهم والذبحة الصدرية. اشتعلت المعركة بقيادة شيخ القرية للبدو في مقابل صف المجانين الذي لا أحد يقوده طبعا. أصيبت اللجنة التنظيمية بدهشة وخيبة أمل مما حل بالمظاهرة. ازداد خوفهم من تدخل الشرطة الآن وقد يتدخل الجيش بأكمله بعد قليل كما قال أحد الأعضاء وهو يشاهد كيف أن أحد البدو حمل مجنونا وضرب به عرض الرصيف حتى كسر به الأسمنت اليابس وخلط دماءه بالزفت، بعد ذلك، في قارعة الطريق دون أدنى انتباه لمرور السيارات. بعد أن ظهر تفوق واضح للبدو على المجانين صرخ أبو قمامة في الجموع الطاحن وهو يخشى من حدوث ما لا تحمد عقباه إذ خاف من انفجار معركة جانبية بين أميي المدينة وأميي القرية تضامنا مع صف المجانين مع العلم أن أكبر شريحة منهم ينتمون إلى المدينة.

وبالفعل لم يكمل تدخله حتى انقض أميو المدينة على أميي البلدة إلا أن هؤلاء البدو لم يظهروا تراجعا إلى الوراء قيد أنملة لأن الضرب باليدين لم يؤثر فيهم فهم يحملون رؤوسا بحاجة إلى فؤوس حتى تتكسر، أما الأجساد فلا يزيدها الضرب إلا اشتعالا مما ينعكس سلبا على الضارب أكثر من المضروب. بدأت الأمور تنفلت من بين أيدي اللجنة التنظيمية. وبعد قليل تدخل رجال الأمن ليضعوا حدا للمهزلة. هو ضرب أسود لم يستثني، من هذا الجمهور الغفير، أميا ولا بدويا ولا معتوها. فالكل سواسية أمام الهراوات. الجميع تمت تسويته بالأرض. وأخيرا تمكن الكل من العودة إلى ما تبقى من الصواب. وقد طلع النهار وها رئيس المجلس الجهوي واقف بالباب محملقا بهذا الحشد الجرار. فغر فاه. وبعد مدة من الزمن التفت إلى أحد حاشيته قائلا:

- من هؤلاء؟ أهو مهرجان من نوع أخر أم مسرح أم ماذا؟

- كلا سيدي الرئيس لقد جاءوا ليحتجوا

- يحتجون؟ ... على ماذا يحتجون؟

- يقال إن رئيس بلديتهم .....

- ومالي ورؤساء البلديات؟

- يقال بأنه قد هدم دار ثقافتهم وجعلها دارا لعجزتهم.

- أو يمكن لدار الثقافة أن تحرك هذا الذي أراه أمامي؟

(كان يعني أحد المجانين)

- كما ترى سيدي الرئيس.

- كلا، لا تكن غبيا .. هؤلاء لا يعرفون ما هي الثفافة أصلا فكيف يتحدثون عن دارها أو جحرها؟

- ولكن سيدي الرئيس ..

- كفى!

تقدم أفراد الجنة التنظيمية نحو السيد الرئيس الذي قال لهم:

- ماذا يحدث؟ .. أعني يمكنكم التحدث إلي من هناك فأنا أسمعكم جيدا.

قال أبو قمامة الجوي:

- سيادة الرئيس .. لقد قام رئيس بلديتنا بتحويل دار الثقافة إلى دار للعجزة و ...

- آه .. فهمت لقد أخبرني نائبي للتو بذلك .. حسنا .. لدي حل لكيلا الطرفين؛ الرئاسة والرعية.

- ما هو سيدي الرئيس؟

- بعد انتهاء فترة رئاسته أعطيكم الإذن بأن تصوتوا على غيره.

دخل رئيس المجلس الجهوي حالما أكمل هذه العبارة.

****

سعيد بودبوز

( http://saidbodabbouz.blogspot.com/)

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير