تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعندما ننظر إلى هذا الكم الهائل من مؤلفات المعري (وما احتوته من فكر) نجد أن أهم ما يدعو إليه المعري هو إعمال العقل " فكلُّ عقلٍ نبيُّ " وفى مرحلة تنبية العقل ينمو الشك لديه في كل ما حوله ويتخذ عند المعري ثلاثة أشكال:-

(أ) الشك في الأديان.

(ب) الشك في التراث الأدبي.

(ج) الشك في المجتمع.

وسوف أتوقف هنا عند الشك في البنية الدينية فقط.

الشك في الأديان

القارئ لتراث المعري الشعري والنثري يفاجأ بهذا التناقض الشكلي بين المعري الكافر، الزنديق، الملحد وبين المعري المؤمن، التقى، الورع.

وفى الأدب العربي القديم نفتقد بشكل كبير زمنية التأليف ويزيد من حجم المشكلة أن المخطوطة الواحدة قد تكتب في عدة سنوات ويبقى أمام الباحث التشبث بإشارات التأريخ وهذه لا تسعف الباحث أحيانا في التحديد الدقيق، وتزداد المشكلة تعقيدا لدى المعري الذي كثرت مؤلفاته وتضخمت، ولا يعرف زمنية تأليفه، وعلى سبيل المثال فقد كان الظن لدى معظم الباحثين أن ديوان سقط الزند هو أول ديوان ألفه المعري في حياة الصبا؛ إلا أننا عندما نقرأ الديوان بتمعن نفاجأ أن الديوان قد أُلف عبر حياة المعري وأن بعض قصائده يعود زمنيتها إلى أواخر عمر المعري، وأقصد من ذلك أن أقول إن التردد أو التناقض في مواقف المعري في الكتاب الواحد لا يعطى دليلا على أن الشك كان في مرحلة زمنية معينة من حياة المعري بل يؤكد أن الشك صاحَب المعري في معظم حياته.

وينبغي قبل أن أورد أمثلة من أقوال المعري أن أركز على أن المعري يشكك أحيانا في جزئيات الأديان كنظرية لكن معظم شكه ونقده ينصب على متاجري الأديان؛ فهاهو يردد: "ما أنا بالملحد الكفور ولا أسأل مولاي غير إلحاد"

العقل في مواجهة ما وراء العقل:

يؤمن المعري بالعقل ويتخذه نبيا، وينادى في اللزوميات:

يرتجي الناسُ أن يقومَ إمامٌ ناطقٌ في الكتيبة الخرساء

كذب الظنُّ لا إمام سوى العقل مشيرا في صبحه والمساء

فإذا ما أطعته جلب الرحمة عند المسير والإرساء

إنما هذه المذاهب أسباب لجذب الدنيا إلى الرؤساء

وينادي:

ولا تصدق بما البرهان يبطله فتستفيد من التصديق تكذيبا

ويصرح بأن الحكم الأول والأخير يجب أن يكون للعقل فيقول:

جاءت أحاديثُ إن صحتْ فإن لها شأنا ولكن فيها ضعف إسنادِ

فشاور العقل واترك غيره هدرا فالعقلُ خيرُ مشيٍر ضمّه النادي

أو قوله:

في كل أمرك تقليدٌ رضيتَ به حتى مقالك ربي واحدٌ، أحدُ

وقد أُمرنا بفكرٍ في بدائعه وإن تفكر فيه معشر لحدوا؟

ويردد المعري الكثير من آراء ابن الراوندي تجاه العقل فقد أورد ابن الراوندي موقفه الرافض لكل ما يخالف العقل، يقول ابن الراوندي: " إن الرسول شهد للعقل برفعته وجلالته، فلمَ أتى بما ينافره إن كان صادقا؟ "10

ويمضى قائلا: "والعقل هو الذي يمتحن قيمة النبوة، فإما أن تتفق تعاليم النبي مع العقل وحينئذ فلا لزوم لها؛ وإما أنها تتناقض وإياه وحينئذ فهي باطلة"11 وعلى هذا فإن المعري يرى أن العقل هو الحكم والفيصل في الأديان وأن كل ما هو مقدس يجب أن يخضع للعقل.

العقل في مواجهة النقل:

يطرح المعري قضية الألوهية بشيء من الإنكار تارة وتارة أخرى بشكل إيماني عميق،فالشك يبدأ لديه في مواجهة ما تناقله الفقهاء والمفسرون ولذلك يقول في اللزوميات:

قلتم لنا خالقٌ حكيم قلنا صدقتم كذا نقولُ

زعمتموه بلا مكانٍ ولا زمانٍ ألا فقولوا

هذا كلام له خبئٌ معناه ليست لنا عقولُ

و يقول:

أما الإله فأمرٌ لست مدركه فاحذر لجيلك فوق الأرض إسخاطا

ويتعجب المعري لماذا لا يتألم الله لعذاب الناس:

لوانى كلب لاعترتني حمية لجروي أن يلقى كما يلقى الإنس

أو قوله: رأيت سجايا الناس فيها تظالم ولا ريب في عدل الذي خلق الظلما

وأن هنالك تناقضا في الأحكام فيخاطب الله قائلا:

أنهيتَ عن قتل النفوس تعمدا وبعثت أنت لقبضها ملكين؟

وزعمت أن لنا معادا ثانيا ما كان أغناها عن الحالين12

ويخاطب الله متسائلا:

إن كان لا يحظى برزقك عاقل وترزق مجنونا وترزق أحمقا

فلا ذنب يارب السماء على امرئ رأى من ما يشتهي فتزندقا

لكن الشك لديه يجعله مترددا بين الإيمان والكفر ولذا نفاجأ عندما نراه يردد:

سأعبد الله لا أرجو مثوبته لكن تعبد إعظام وإجلال

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير