وعندما ينظر المعري في بعض أحكام الفقه يجد أن هنالك أحكاما لا يقبلها العقل مثل حكم دية اليد إذا قطعت بخمسمائة دينار ذهب وإذا سرق أحد من الناس ربع دينار تقطع يده فيعترض قائلا:
تناقضٌ ما لنا إلا السكوت له وإن نعوذ بمولانا من النار
يد بخمس مئين عسجد فُديت ما بالها قُطعت في ربع دينار
ولأنه يعيش في مرحلة الشك فإنه في شوق إلى اليقين بيد أنه هيهات:
أما اليقين فلا يقين وإنما أقصى اجتهادي أن أظن وأحدسا
أو قوله: وقد عدم التيقن في زمان حصلنا من حجاه على التظني
بل إن المعري عندما يفكر بعقله ويصطدم مع الشافعي أو مالك فإنه لا يأبه بذلك ويرى أن من حقه أن يجتهد طالما هو قادر على التفكير
وينفر عقلي مغضبا إن تركته سدى وأتبعت الشافعي ومالكا
ويفاجئنا المعري بأن العقل ينكر الأديان السابقة:
هفت الحنيفة والنصارى ما اهتدت ويهود حارت والمجوس مضللهْ
اثنان أهل الأرض: ذو عقل بلا دين وآخر ديِّن لا عقل لهْ
وينكر أن يكون آدم واحدا
وما آدم في مذهب العقل واحد ولكنه عند القياس أو آدم
ويشكك المعري في تدين الناس من حوله ويرى أنه تدين متوارث
وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوّده أبوه
وما دام الفتى بحجى ولكن يعلمه التدين أقربوه
الشك في الديانات والمذاهب:
لا يسلم دين أو مذهب من نقد المعري والتشكيك في أصوله فاليهودية محرفة والمسيحية لا تقوم على أساس عقلي والحنيفية خرجت عن مسارها والمذاهب جميعها متطاحنة وأن الأديان والمذاهب هي المسئولة عن الصراعات الموجودة في العالم وان الأديان هي تأليف من القدماء فلا أنبياء ولا وحي في رؤية المعري الشكية:
أفيقوا أفيقوا يا غواة فإنما دياناتكم مكرٌ من القدماء
وقوله:
ولا تطيعن قوما ما ديانتهم إلا احتيال على أخذ الإتاوات
وإنما حمل التوراة قارئها كسب الفوائد لا حب التلاوات
إن الشرائع ألقت بيننا إحنا وأودعتنا أفانين العداوات
وقوله:
مسيحية من قبلها موسوية حكت لك أخباراً بعيد ثبوتها
ويسخر المعري من الأيام المقدسة فيقول:
وجدنا اختلافا بيننا في إلهنا وفى غيره عزَّ الذي جل واتحد
لنا جمعة والسبت يدعى لأمة طافت بموسى والنصارى لها الأحد
فهل للبواقي السبعة الزّهر معشر يجلونها ممن تنسك أو جحد
تقرب ناس بالمدام وعندنا على كل حال أن شاربها يُحَد
ويرى أن الأديان قد فشلت في خلق عالم مثالي:
أمور تستخف بها حلوم وما يدرى الفتى لمن الثبور
كتاب محمد وكتاب موسى وإنجيل ابن مريم والزبور
نهت أمما فما قبلت وبارت نصيحتها فكل القوم بور
وعندما يصل الشك لدى المعري منتهاه يقول:
توافقت اليهود مع النصارى على قتل المسيح بلا خلاف
وما اصطلحوا على ترك الدنايا بل اصطلحوا على شرب السلاف
ويرى أن المسيح لا يكون منطقيا ابنا لله:
عجبا للمسيح بين أناس و إلى الله والد نسبوه
أسلمته إلى اليهود النصارى واقروا بأنهم صلبوه
يشفق الحازم اللبيب على الطفل إذا ما لداته ضربوه
وإذا كان ما يقولون في عيسى صحيحا فأين كان أبوه
كيف خلّى وليدَه للأعادي أم يظنون أنهم غلبوه؟
ويتساءل المعري وهو في قمة شكه أي الأديان هو الصحيح:
في اللاذقية ضجةٌ ما بين أحمد والمسيح
هذا بناقوس يدق وذا بمئذنة يصيح
كل يعظّم دينه ياليت شعري ما الصحيح؟
وفى شك المعري وتحكيمه للعقل كفيصل وحيد نحو الوصول إلى اليقين يشكك المعري في وجود الوحي:
فلا تحسب مقال الرسل حقا ولكن قول زور سطّروه
وكان الناس في يمنٍ رغيدٍ فجاءوا باالمحال فكدروه
ويشكك في تناسق الأديان ووحدتها بل يشكك في الدين الواحد الذي تتشعب منه المذاهب المتعارضة والمتناقضة على نحو ما نرى في أبيات اللزوميات والتي لا داعي لذكرها هنا وأنه يعيش في شك لأنه لا يرى الهدى وإنما:
دين وكفر وأنباء تقص وفرقان وتوراة وإنجيل
في كل جيل أباطيل، يدان بها فهل تفرد يوما بالهدى جيل؟
وقال عبدالسلام القزوينى: اجتمعت به (أي المعري) مرة فقال لي: لم أهج أحدا قط! قال: صدقت إلا الأنبياء! فتغير وجهه "
¥