تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

واختلف الأمر لدى النقاد والفقهاء الذين أتوا من بعده فبعضهم رأى أنه كافر وملحد وزنديق بينما رأى بعضهم أنه مؤمن بل وليٌّ من الأولياء فالسمعاني (506 - 562 هـ) ينقل في كتابه الأنساب رأى البغدادي ويقرر ابن الجوزي (أبوالفرج عبدالرحمن 510 - 597) في كتابه المنتظم في ترجمته للمعرى أن أحواله تدل على اختلاف عقيدته، وقد حكى لنا عن أبى زكريا أنه قال: قال لي المعري: ما الذي تعتقد - فقلت في نفسي: اليوم أعرف اعتقاده - فقلت: ما أنا إلا شاك! فقال: هكذا شيخك " ويضيف " وقد رماه جماعة من العلماء بالزندقة والإلحاد وذلك أمر ظاهر في كلامه وأشعاره وأنه يردّ على الرسل، ويعيب الشرائع، ويجحد البعث"21

وقد وقف القفطي (أبوالحسن على بن يوسف القفطي 568 - 646) موقفا وسطا بين الفئتين فقد نقل آراء الفريقين إلا أنه قد أورد لنا رواية نتوقف حيالها قليلا فقد ذكر أن المعري قد رحل إلى طرابلس الشام " فاجتاز باللاذقية، ونزل دير الفاروس، وكان به راهب يشدو شيئا من علوم الأوائل، فسمع منه أبوالعلاء كلا ما من أوائل أقوال الفلاسفة، حصل له به شكوك لم يكن عنده ما يدفعها به فعلق بخاطره ما حصل به بعض الانحلال .... ثم ارعوى ورجع واستغفر واعتذر"22 ولا يعقل أن يكون الراهب قد أثر على المعري في يوم أو ليلة ولذا أترك هذه الرواية إلا أنني أتوقف حيال أنه قد استغفر ربه عما قاله في شبابه وأنه قد غيّر آراءه الشكية قبيل وفاته.

يرى القفطى أنه قد رأى المعري في المنام فقال له: ما الذي يحملك على الوقيعة في ديني؟ وما يدريك لعل الله غفر لي " فخجلت من قوله …. فابتسمت متعجبا للرؤيا، واستغفرت الله لي وله، ولم أعد إلى الكلام في حقه إلا بخير"23

ويصيح ياقوت الحموي 574 - 626: كأن المعري حمار لا يفقه شيئا"24

ويرى ابن الأثير (555 - 630) "أن أكثر الناس يرمونه بالزندقة وفى شعره ما يدل على ذلك"25 ويذكر سبط ابن الجوزي (581 - 654) في كتابه مرآة الزمان رواية على لسان المنازي الشاعر قال: "اجتمعت بأبى العلاء بمعرة النعمان فقلت له: ما هذا الذي يحكى عنك؟ فقال: حسدني قوم، فكذبوا عليَّ؛ قلت علامَ حسدوك وقد تركتَ لهم الدنيا والآخرة؟ قال: والآخرة؟ قلت: إي والله"26 ويسوق الغزالي في كتابه "سر العالمين وكشف ما في الدارين" كرامة من كرامات المعري ليدلل على تقواه وإيمانه.27

ويرى أبوالفداء (672 - 732) في كتابه "المختصر في أخبار البشر" أن أبا العلاء المعري " كان يُظهر الكفر"28 وإلى هذا ذهب الذهبي (673 - 748) في تاريخ الإسلام ويرى ابن الوردى أنه تقي.

ولعل فيما أوردته من أمثله ما يدل على اختلاف الناس معاصرين ولاحقين في أمره، وهذا التأرجح إنما هو ناتج من تأرجح المعري ذاته ومن الشك لديه الذي يجعل الناس في شك من أمره فقد يناصره بعضهم بينما يعاديه البعض الآخر " ويعمل - كما يذكر الصفدي - تلامذته وغيرهم على لسانه الأشعار، يضمونها أقاويل الملاحدة، قصدا لهلاكه"29

لكن الثابت أن جدلا كبيرا دار حول كتابه " الفصول والغايات " وهل هو معارضة للقرآن الكريم أو كتاب مستقل، وهذا الجدل بدأ أيضا في حياة المعري إذ زاره الرحالة الفارسي ناصري خسرو ودوّن في كتابه " سفر نامه " أن المعري " وضع كتابا اسماه " الفصول والغايات " ذكر به كلمات مرموز وأمثال في لفظ فصيح عجيب، بحيث لا يقف الناس إلا على قليل منه، ويفهمه من يقرؤه عليه. وقد اتهموه بقولهم "إنك وضعت هذا الكتاب معارضة للقرآن؛ ويجلس حوله أكثر من مائتي رجل …. وسمعت أن له أكثر من مائة ألف بيت شعر"30 أي أن الغموض الذي كان يكتنف كتابات المعري وأسلوبه الصعب ساعد على عدم فهم مؤلفاته، فقد كان واسع المعرفة ولم يتوقف المعري في نقده تجاه الأديان فقط بل نقد المجتمع والسلطة وتمنى إذا ما مات أن يحرق جسده وإذا قُبر فقد أوصى أن يكتب على قبره

هذا جناه أبي عليّ وما جنيت على أحد

لقد توقف النقاد القدامى والمحدثون أمام إيمان المعري أو كفره إلا أنني اختلف مع الفريقين إذ كان أحرى بهم أن ينظروا إلى المعري الذي يمثل العقلية العربية المستنيرة التي تحاول أن تشك في كل الحقائق لكي تستنتج حقيقة واحدة وهى البحث عن الحقيقة.

ـ[الحارث السماوي]ــــــــ[04 - 01 - 2007, 09:14 ص]ـ

الشك عند المعري

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير