تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

عرفنا أن الأميرى ابتداء من سنة 1386ه، وعلى مدى خمسة عشر عامًا، كان يقوم بتدريس مادة «الإسلام والتيارات المعاصرة» فى دار الحديث الحسنية بالرباط، كما درَّس «الحضارة الإسلامية» فى كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس.

وكان يقوم بتدريس هذه المادة فى الجامعات العربية والإسلامية التى يُدعى إليها أستاذًا زائرًا.

وكان دائمًا يدعو إلى فكرته فى (الفقه الحضارى) الذى يفتقر إليه المسلمون فى هذا العصر، بجوار الفقه التقليدى الذى يُعْنَى بمعرفة الأحكام الشرعية المستنبَطة من أدلتها التفصيلية، وهذا الفقه التقليدى هو الذى تُعْنَى به كليات الشريعة والحقوق، وتقوم عليه مجامع الفقه الإسلامى المعروفة (5).

وقد تبنَّى (رحمه الله) هذه المادة وقام بتدريسها، وعرض خطوطها وأبعادها - تنظيرًا وتطبيقًا - فى الكتب التى أصدرها، وذكرنا بعضها آنفًا، وفى هذه الطروحات نراه يؤمن إيمانًا وثيقًا بأن المسلمين قدموا للعالم عطاء حضاريًا فى شتى المجالات، علميًا وأدبيًا وفلسفيًا واجتماعيًا وفنيًا، وهذا العطاء لم يفقد قدرته، وعوامل خلوده، بل هو قدير على الحلول محل المعطيات الحضارية الغربية، وكل ما يحتاجه إيمان أهله به من ناحية، والعمل على تجديده، وإبرازه فى الثوب الذى يناسب العصر، مع ترسيخ الثوابت، وتدريس المادة فى كل الجامعات الإسلامية والعربية، من ناحية أخرى.

ومن عَجَبٍ أن نجد أناسًا من جلدتنا، ويتكلمون لساننا، ينكرون قيمة الحضارة الإسلامية، ويدعون إلى أن نفتح عقولنا وقلوبنا وبلادنا لكل ما هو غربى، ولا كذلك العُدُول من كُتَّاب الغرب ومفكرى الأديان الأخرى فالألمانية «زيغريد هونكه» تؤكد أن أوروبا تعرفت بواسطة العرب على أهم آثار القدامى، وبفضل ترجماتهم للمخطوطات اليونانية، وتعليقاتهم عليها، وبفضل آثارهم الفكرية الخاصة أدخلت إلى العالم الجرمانى روح التفكير العلمى والبحث العلمى .. » (6).

والأميرى فى عرضه معطيات هذه الحضارة يتجنب التعصب والحماسة المتوقدة، بل يعرض ويناقش فى هدوء ومنطقية، رابطًا الماضى بالحاضر، ناهلاً من ثقافته الواسعة فى التاريخ والعلوم الإنسانية، ويقدم ما يقدم فى إيجاز، ووضوح.

سائح فى الله

والأميرى فى أغلب شعره ينطلق من قاعدة إيمانية روحية، وقلب ينبض بحب الإسلام والعربية والعروبة، ووجدان يعيش آلام المسلمين وآمالهم، لقد قضى عشرات من السنين ضاربًا فى فجاج الأرض، بعيدًا عن وطنه سورية، فظلْم حكامها لا يتسع لبقاء أصحاب العقيدة والشموخ، وحملة رسالة الحق من أمثاله.

ولما انتقل (رحمه الله) إلى العالم الآخر سنة 1992م، رثيتُه بقصيدتين، يستطيع القارئ أن يرى فيهما ملامح عقيدته ودعوته وموضوعات شعره، وطبيعة وجهته الأدبية، فمن قصيدتى الأولى (الشهيد على فراش الغربة) انتقى الأبيات الآتية:

حتى إذا مسَّ عادٍ عرضَ أمتنا

أوهمّ يخدشُ شيئًا من حمى الدين

أضحى قصيدُك هوْلاً مِلْؤه ضرَمٌ

فليس غير سعيرٍ أو براكينِ

وأصبح القلمُ السيالُ عاصفةً

تجتاح كل دعيِّ الفكرِ ملعونِ

ويسأل الجمع «من ذا؟» - «إنه عمرٌ

عمرُ البهاء الأميري ثار من لين

فدكّ دعواهُمُو بالحقِّ فى ثقةٍ

ومزق السِّتْر عن غِرِّ ومأفونِ

إن الحليمَ إذا ما ثار ثائرهُ

فليس منه سوى جمْرٍ وغِسْلين

……………

يا سائحًا فى سبيل الله غربتُه

وما ذللت وما استسلمتَ للهُوِن

فى الشرق والغرب تمضى تحت رايته

فى درب «أحمد» والغرّ الميامين

لئن جفتْكَ بلادٌ أنت صفْوتها

فافخر بأنك «لا» لم ترضَ بالدونِ

نزلتَ فى كل قلب مؤمن سكنًا

من الرباط .. إلى مصر .. إلى الصين (7)

*********

ومن أبيات قصيدتى الثانية (أمير العاشقين):

وقالوا بأنك «ضد الولاءِ

وضدّ الحضارةِ و «المنقذين»

وتنكر «قومية» المخلصين

وما هى إلا انتصار مبين

وفهمك للدين رجعيةٌ

تدمّر عقل الشباب الفطين»

………….

أيا عمرَ الخير أنت الصدوقُ

وزُمرتهم زمرة الكاذبين

فما كان جُرمك إلا الولاءَ

لربك لا للطغاة العَمينْ

وما كان إثمك إلا النقاءَ

وإيقاظك النوَّم الغافلين

وشعرًا يؤرق ليل البغاةِ

ويخلع قلب الغويِّ اللعينْ

ودعوتَك «الدينُ حكمْ وجنسٌ

وروحٌ وجسمٌ ودنيا ودينْ

وخير، وخيلٌ، وحب، وعلمٌ

ونفْس تموتُ وتأبى تهون

ولكن قومية الأدعياء

فسادٌ دعِيٌّ وظلم مبين

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير