بها انتُهك الشوق اليعربيّ
وهُتِّك عرض البلاد المصون
………….
بشعرك علمتنا أن نكونَ
وأرسيْتَ فينا جذور اليقين
وعلمتنا الصبر فى النازلات
وألا نكون من القانطين
وعلمتنا أن نحب الحياةَ
جهادًا وصبرًا وعلمًا ودين (8)
********
ولعل المتلقى قد تبين فى الأبيات السابقة غير قليل من ملامح شخصية الأميرى، وأهم محاوره الشعرية وحرصه على الذود عن دينه وعقيدته وعروبته، على أن للأميرى غرضًا شعريًا يعد كسبًا كبيرًا للأدب العربى بعامّة، والأدب الإسلامى بخاصة، وهو «الشعر الأسْريّ»، فقد نظم ديوان «أمي»، وديوانًا للأطفال بعنوان: «رياحين الجنة»، ومن قصائده فى هذا المجال ما يصدق عليه وصف «الأدب العالمى» كقصيدة (أب) (9)، وقد كان عباس العقاد من أشد المعجبين بهذه القصيدة، حتى قال عنها فى ندوة من ندواته المعروفة التى كان يعقدها فى منزله بمصر الجديدة فى صباح كل جمعة: «لو كان للأدب العالمى ديوان من جزء واحد لكانت هذه القصيدة فى طليعته» (10).
شعر المقاومة والجهاد
ذكرنا أن الأميري (رحمه الله) كان يعيش بعقله ووجدانه وشعره هموم المسلمين والأمة العربية، ولكن فلسطين كانت هى الجرح الغائر النازف فى أعماقه، وعاش على أمل شَغَلَ أقطار نفسه، وهو «تخليص مسرى النبى الأمين»، وعاش بشعره أبعاد النكبة، بما تنزفه من دم، وما تعكسه من آلام وأوجاع وانكسارات، وما تبعثه كذلك من آمال واستشراف وتطلعات، فالمؤمن لا يقنط من رحمة الله، وهو - بالإيمان والعزم والإصرار - يأوي إلى ركن شديد.
وكانت فلسطين هى الموضوع الأساس لعدد من دواوين الأميري، منها ديوان (من وحى فلسطين)، وديوان (الزحف المقدس)، وديوان (حجارة من سجيل).
ولديوان (من وحي فلسطين) أهمية خاصة، ترجع إلى عاملين:
الأول: أن الشاعر حمل السلاح، وقاتل فى فلسطين بروح الرعيل الأول من المسلمين، فالكلمة - فى هذا المقام - تعد ترجمة عملية عن واقع فعلى، وممارسة عملية حقيقية.
أما العامل الثانى فهو أن الديوان ضم عن فلسطين شعرًا باكرًا، بدأ سنة (1946م)، وتأثر بحرب 1948م، وكشف أسرار الضياع العربي، وجذّر من النكبة، فلما وقعت الكارثة سنة 1967م أرخ هولها، وفند عواملها، وبكى هزيمتها، وحمل مشعل الدعوة إلى الجهاد.
لقد انضم الأميرى إلى جيش الإنقاذ الذى قاده «فوزى القاوقجي» للدفاع عن فلسطين قبل نكبة 1948م، وكان من بواكير شعره فى فلسطين:
يا فلسطينُ يا تراثَ النبوةْ
يا لسان المجد الأثيلِ المفوَّهْ
لا يُضرْك العدوان مهما تمادى
إن هذا العدوان مبْعث قوة
أمة العُرْب فى ركابك هبتْ
تلقم العاتي الزنيم عتوَّهْ
والأباةُ الكماةُ تهتز ثأرًا
كلما معرجُ الرسولِ تأوّه (11)
وتدور الأيام والأميري يضرب فى فجاج الأرض داعيًا إلى الله والحق والجهاد، ويهل العيد، ولا جديد إلا تفاقم البلاء، وتزايد الشهداء، أما حال الحكومات فما ضٍ فى التيه، والدجل، والتمويه، حتى أصبح شأنهم مع شعوبهم أشد وأنكى من سياسة الصهاينة، ومكرهم وعدوانهم:
يقولون لى عيد سعيد وإنه
ليوْم حساب لو نحسُّ ونشعرُ
أعيدٌ وللبغى العدو تفاقمٌ
وأمرُ ولاة الأمرِ أنكى وأخطرُ
همو أوقعوا الهول الضروس بقومهمْ
فهمْ قدروا - ويل لهم - كيف قدروا؟ (12)
ويربط الانتفاضة بالفقه الحضارى الذى يدعو إليه، ويتبناه، فيقول وهو فى مكة المكرمة فى غرة ذى الحجة عام 1408هـ «إن الانتفاضة خطوة جريئة فى سبيل تحويل الخط الحضاري الإنساني من «السامرية اليهودية» إلى «الربانية الإسلامية» فى أجواء الصحوة المرجوة لأمتنا العريقة المسئولة، وإن من حقها على عقلاء العالم كافة، وعلى المؤمنين والمسلمين عامة، وعلى العرب منهم بخاصة حق عظيم جسيم، يتطلب حشد كل الطاقات والقوى، واستخدام جميع الوسائل المشروعة، بمنهجية هادية واعية، وعقد العزائم والإرادات على المضى السوي القوي بها إلى غايتها فى ضوء فكر حضاري مبين .. » (13).
وخلّد الأميرى انتفاضة الأطفال بديوانه «حجارة من سجيل»، وفى مطوَّلته الخالدة «طفل فلسطين المارد» يقول:
أنِفَ الزيفَ، ووأْدَ الحقِّ
مذْ كان وليدا
ونما .. ثم نما فى الرفضِ ..
جبارًا عنيدا
يركبُ الموت ليحيا رافع الرأس
مجيدا
لا يبالى
كان حيَّ الجسم
أم حيا شهيدا
صائحًا: الله أكبر
قهر الصعب ببأس من حديد
ليس يُقهرْ
يتحدى النار كالإعصار
¥