تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أم عيسى: كلا يا سيدي .. لا تعرفني ولا أعرفك. ما كان احراني إن أفعل هذا من تلقاء نفسي. استودعك الله يا أبا العلاء (تنصرف).

ابو العلاء: (يطرق ملياً ويعتريه الوجوم) .. ؟

ابن أبي هاشم: هل تريد يا سيدي أن أصنع لك شيئاً؟

أبو العلاء: لا وأشكرك، إن كنت تريد أن تتجهز لشهود الجمعة فافعل.

ابن أبي هاشم: أجل يا سيدي .. سأعود إليك من العصر.

أبو العلاء: صحبتك السلامة.

(يخرج ابن أبي هاشم)

(ينفتح الباب الأيسر المؤدي إلى داخل الدار فتدخل امرأة شابة في رفق وأناة

حتى خلف أبي العلاء دون أن يشعر بها فتضع كفيها على عينيه مازحة).

أبو العلاء: سبحان الله .. من هذا؟ (يتحسس يدها) هيه فاطمة!

فاطمة: (تضحك) كيف عرفت يا عمي؟

أبو العلاء: ويحك يا ابنة أخي، إنما يصنع ذلك بالمبصرين. أما مثلي فلست بحاجة إلى أن تحجبي عينيه من خلفه لئلا يبصرك!

فاطمة: (تقبل عليه) إنك يا عمي لتعدل ألف بصير .. لقد رأيتني باللمس؟

أبو العلاء: (كالمتعجب مما قالت) رأيتك باللمس؟

فاطمة: نعم فإنك لم تسمع لي صوتاً.

أبو العلاء: هاتي نسخة ابن أبي هاشم لأملي عليك.

فاطمة: (فرحة) حباً يا عمي وكرامة .. هذا ما كنت أبغيه. (تخرج الديوان من الخزانة) لحى الله هذه الرجل .. كلما جئت لأراك وجدته مرابطاً عندك فيمنعني من الجلوس إليك.

أبو العلاء: كلا لا تسبيه يا فاطمة، فقد الزمني حقوقاً جمة وأيادي بيضاء .. لأنه أفنى فيّ زمنه ولم يأخذ عما صنع ثمنه.

فاطمة: أنا أولى منه يا عمي بكتابة رسائلك، وإن خطي لأجمل من خطه (تفتح الديوان) انظر .. إن خطه مثل خرابيش الدجاج!

أبو العلاء: (يضحك) ويحك كيف لي أن انظر وأقارن؟

فاطمة: ليتك يا عمي تستطيع التميز بينهما بيدك!

أبو العلاء: افتحي قافية السين المكسورة بعد ميم ساكنة.

فاطمة: (تقرأ):

دعاء موسى فزال وقام عيسى = وجاء محمد بصلاة خمس

ابو العلاء: نعم هي هذه .. اكتبي في آخر الأبيات. (يملي وهي تكتب):

كأن منجم الأقوام أعمى لديه الصحف يقرؤها بلمس

فاطمة: وهل يعقل ذلك يا عمي؟

أبو العلاء: لم لا؟ لقد اخترع الناس أشياء كثيرة ما كانت معروفة لآبائهم من قبل.

فاطمة: إذن تستغني يا عمي عمن يقرأ لك!

ابو العلاء: أجل إذن أقرأ كما أريد! .. خبريني يا ابنة أخي متى حضرت إلى الدار؟

فاطمة: من دهر .. انتظرت في المخدع الجواني حتى انصرفوا من عندك.

أبو العلاء: أو قد سمعت .. ؟

فاطمة: سمعت كل شيء.

أبو العلاء: يا ويلتا .. أسمعت حديث أم عيسى؟

فاطمة: نعم.

أبو العلاء: ويلك .. ما كان ينبغي لمثلك أن تسمعي مثله.

فاطمة: علام يا عمي؟ إني لأسمع الكثير، وإني لأعلم من ذلك أموراً كثيرةً لا تعلمها أنت.

أبو العلاء: العياذ بالله .. اكتبي عندك في باب السين.

فاطمة: هات.

أبو العلاء: (يملي وهي تكتب):

قد فاضت الدنيا بادناسها = على براياها واجناسها

والشر في العالم حتى التي = مكسبها من فضل عرناسها

فاطمة: ما العرناس يا عمي؟

أبو العلاء: المغزل.

فاطمة: (تضحك) لو قلت لوالدتي: ناوليني عرناسي هذا لحسبتني أرطن!!

أبو العلاء: ويلمها لغة ضيعها بنوها! (في أسى) لا غرو فقد أضاعوا كل شيء!

أين امرؤ القيس والعذاري = إذ مال من تحته الغبيط

استنبط العرب في الموامي = بعدك واستعرب النبيط

فاطمة: لكنك يا عمي لو سميت الأشياء بأسمائها لكان أفضل!

أبو العلاء: ويحك يا ابنة أخي كأنك لست من تنوخ!

فاطمة: تنوخ! وأي شيء كان تنوخ؟ أنا من آل سليمان بمعرة النعمان وعمي أبو العلاء!

أبو العلاء: (في صوت وقور):

سيسأل ناس ما قريش وما مكة = كما قال ناس ما جديس وما طم

ستار

اليوم الثاني

فاطمة: كيف أنت يا عمي؟ لقد خشيت عليك.

أبو العلاء: تخشين علي وأنا في بيتي ولا تخشين على نفسك أن تخرجي وحدك في مثل هذه الهيعة الجائشة إذ الجنود والأهالي يتقاتلون في الطرق؟

فاطمة: إني ما جئت وحدي بل أو صلني زوجي إلى باب دارك.

أبو العلاء: ما باله لم يدخل ليسلم علي؟

فاطمة: انطلق ليقضي شغلاً له وسيعود ليأخذني من عندك. أرأيت يا عمي كيف قبضوا أمس على سبعين رجلاً من وجوه المدينة، فزجوا بهم في السجون.

أبو العلاء: نعم لقد عز على أولي الأمر أن يهدم الماخور فيخسروا الجزية التي يأخذونها من صاحبه.

فاطمة: الناس يقولون إن هذا كان بأمر الوزير، إذ لم يحضر الأمير بعد من ضواحي حلب.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير