أما الشاعر في هذه الأبيات يقصد بالعيد هو الوقت الذي يعود إليه فيه التذكر والوجع والشوق، واستخدم لفظة العيد ليدل على تكرار ومعاودة الشوق الذي من شدته جافى النوم عينيه، وهو ماعبر عنه بالإيراق، وهذا يدل على شدة الشوق بالرغم من أنه مجرد طيف أي أن خيال حبيبته يزوره في الليل فيمنعه من النوم ويجعله يكابد البعد والمخافة والمشقة.
وكلمة إيراق ناسبت كلمة طراق حيث أن النوم يجافي العين في وقت الليل والطروق يعني الزيارة في الليل.
2) يسري على الأين والحيات محتفيا نفسي فداؤك من سار على ساق
يصف الشاعر الخيال بأنه يسير ليلا فوق الحيات حافي القدمين، ماشيا غير راكب، ولكن الخيال لايمشي على ساق، ولكنه كما قال (يسري) وقال (محتفيا) فوصفه بما يوصف به ذو الساق، ويجوز أن يكون الشاعر قصد: صاحب الخيال.
وقوله (من سار على ساق) إشارة إلى تجشم قطع المسافات والأهوال من غير قافلة أو دليل أو راحلة وهذا جدير أن يكون في موضع من يفدى بالنفس.
ثم في ذكر القدمين الحافيتين، والساق في الطيف لهو إلباس جو الأنوثة على هذه المعشوقة التي جاء طيفها يخفف من عناء السفر، ثم إن ذكر الساق الواحدة دون الساقين لهو ذكاء خارق في إبداء محاسن المحبوبة، كما يفعل مصممي الأزياء في إبداء مفاتن الفتيات من خلال إبداء طرف ساق واحدة والتعتيم اللباسي على الساق الثانية.
3) سباق غايات مجد في عشيرته مرجع الصوت هدا بين أرفاق
4) حمال ألوية، شهاد أندية قوال محكمة، جواب آفاق
(سباق غايات مجد): يريد أنه يسبق إلى المجد من سابقه، وليس هذا فحسب بل أنه يسابق حتى يصل إلى نهاية المجد ويتجاوزه ويجعله خلفه.
(مرجع الصوت هدا) توجد علاقة حركية بين كلمتي (مرجع) وتعني تردد الصوت و (هدا) وتعني الصوت الغليظ فكلاهما يصدران موجات صوتية.
واستخدم كلمة (هدا) ليدل على علو صوته وغلظته فيكون وقعه على رفاقه كسقوط ركن أو حائط أو ناحية جبل فيصدر صوت عظيم جدا بسبب هذا السقوط.
نجد أن هذين البيتين أكثر فيهما من اسخدام صيغ المبالغة والتي على وزن (فعّال)، فمن المعروف أن دلالات (فاعل) تختلف عن دلالات (فعال) فثمة هدوء ووئام ورأفة في وزن (فاعل) تفتقدها صيغة (فعّال) فـ حمال وشهاد وسباق وقوال وجواب تتسم بالقوة والإلحاح والامتداد ووقته مفتوح وغير مؤقت، وسبق أن استعملته الخنساء في رثائها لأخيها صخر فهو (حمال ألوية، هباط أودية شهاد أندية للجيش جرار)
فإن عنف الوزن والصيغة ناسب شخصية تأبط شرا وما تمتاز به من القوة والبطش.
ومن خصائص هذه الصيغة أنها تستعمل غالباً في الغرائز واللوازم غير المنفكّة عن الذات، فمثلا قوال محكمة يدل على لزوم القول للذات وعدم انفكاكها عنها، و (قال) يدل على ثبوت القول فقط.
5) يا من لعذالة خذالة أشب حرق باللوم جلدي أي تحراق.
(يا من لعذالة): حذف المنادى، فما الفائدة من حذف المنادى في قوله: يا من لعذالة؟ والاستفهام الواقع بعده إلى من توجه والمنادى ليس في الكلام؟ نقول: إنّ قصد المتكلم بمثل هذا الكلام هو إظهار ألمه وتوجعه من أمر حرق مضجعه،وفي ذِكْر النداء وحذف المنادى استطاع أن يوصل إلينا هذا الأمر. فأمّا المنادى فهو يائس من غوثه وظهور فرج من عنده فلا فائدة في تخصيصه بالذِّكْر، لذلك فسّرنا وقلنا: أراد يا ناس أو يا قوم، فالمراد بيان العجز عن مداراة ما ارتكبه والتملص مما لزمه، فكأنه يريد: قد أعيى دفع هذا العاذل عن النفس فمَن يكفّ عني أمره ويقيني شرّه". فالموقف النفسيّ هو الذي جعل الشاعر يتحوّل إلى الحذف ليعبّر عن حالة اليأس من غوث مغيث والإحباط في تحقيق أمل منشود، وذلك ما لا يبلغه بغير الحذف.
6) يقول أهلكت مالا لو قنعت به من ثوب صدق ومن بز وأعلاق
هنا تأبط شرا يصف نفسه بالكرم إلى حد الإفراط حتى أنه لم يبق شيئا لغده، وهذا المعنى المأخوذ من قوله (أهلكت) فهو لم يستخدم كلمة أسرفت، فهلاك المال يعني أنفقه وأنفده كله فلم يبق منه شيئا، وكذلك كلمة (أعلاق) وهو ماكرم من سيف أو ثوب أو نحوه. فكان يبْذلُ المالَ والنفيسَ في سبيل الذكرِ الحسنِ لأنَّ المالَ يَفْنى والذكْرُ يَبقى.
7) عاذلتي إن بعض اللوم معنفة وهل متاع وإن أبقيته باق
¥