تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أرَى العرَاقَ طوِيلَ اللّيْلِ مُذ نُعِيَتْ .......... فكَيفَ لَيلُ فتى الفِتيانِ في حَلَبِ

يَظُنّ أنّ فُؤادي غَيرُ مُلْتَهِبٍ .............. وَأنّ دَمْعَ جُفُوني غَيرُ مُنسكِبِ

بَلى وَحُرْمَةِ مَنْ كانَتْ مُرَاعِيَةً ............ لحُرْمَةِ المَجْدِ وَالقُصّادِ وَالأدَبِ

وَمَن مَضَتْ غيرَ مَوْرُوثٍ خَلائِقُها ............ وَإنْ مَضَتْ يدُها موْرُوثَةَ النّشبِ

وَهَمُّهَا في العُلَى وَالمَجْدِ نَاشِئَةً ............. وَهَمُّ أتْرابِها في اللّهْوِ وَاللّعِبِ

يَعلَمْنَ حينَ تُحَيّا حُسنَ مَبسِمِها ............ وَلَيسَ يَعلَمُ إلاّ الله بالشَّنَبِ

..............................................................

..............................................................

وَإنْ تكنْ خُلقتْ أُنثى لقد خُلِقتْ ............ كَرِيمَةً غَيرَ أُنثى العَقلِ وَالحَسبِ

.............................................................

فَلَيْتَ طالِعَةَ الشّمْسَينِ غَائِبَةٌ ................. وَلَيتَ غائِبَةَ الشّمْسَينِ لم تَغِبِ

وَلَيْتَ عَينَ التي آبَ النّهارُ بهَا ............... فِداء عَينِ التي زَالَتْ وَلم تَؤبِ

............................................................

وَلا ذكَرْتُ جَميلاً مِنْ صَنائِعِهَا ............. إلاّ بَكَيْتُ وَلا وُدٌّ بلا سَبَبِ

قَد كانَ كلّ حِجابٍ دونَ رُؤيَتها ............. فَمَا قَنِعتِ لها يا أرْضُ بالحُجُبِ

وَلا رَأيْتِ عُيُونَ الإنْسِ تُدْرِكُها ............. فَهَلْ حَسَدْتِ عَلَيها أعينَ الشُّهبِ

وَهَلْ سَمِعتِ سَلاماً لي ألمّ بهَا ............. فقَدْ أطَلْتُ وَما سَلّمتُ من كَثَبِ

وَكَيْفَ يَبْلُغُ مَوْتَانَا التي دُفِنَتْ .............. وَقد يُقَصِّرُ عَنْ أحيائِنَا الغَيَبِ

...........................................................

.............................................................

قد كانَ قاسَمَكَ الشخصَينِ دهرُهُما ........ وَعاشَ دُرُّهُما المَفديُّ بالذّهَبِ

وَعادَ في طَلَبِ المَترُوكِ تارِكُهُ ........... إنّا لَنغْفُلُ وَالأيّامُ في الطّلَبِ

مَا كانَ أقصرَ وَقتاً كانَ بَيْنَهُمَا ............ كأنّهُ الوَقْتُ بَينَ الوِرْدِ وَالقَرَبِ

و لست تخطئ فيما نرى , ما تضمنته هذه الأبيات من القصيدة من العاطفة التي عطفته على هذه التي يرثيها , وما يتوهج في ألفاظها من نيران قلبه. ولست تخطئ أنين الرجل و حنينه و بكاءه. ولا بد لنا هنا من بعض القول في أبيات منها نشرح به أمر أبي الطيب على وجهه.

قد ذكرنا قبل أن الانتقال من معنى إلى معنى في شعر أبي الطيب , هو الموضع الذي ينبغي لنا الوقوف عنده و تمييزه و التبصر في أوائله و أواخره , إذ كان الانتقال في شعره هو الذي يعينك على الكشف عن أسرار قلبه و نفسه و حياته. فإذا شئت الآن فانظر إلى انتقاله من قوله في مخاطبة الموت: ((وكم صحبت أخاها في منازلة!)) إلى ذكر ما أفزعه و كربه , وهزّ نفسه وحزّ فيها إذ يقول:

طَوَى الجَزِيرَةَ حتى جاءَني خَبَرٌ ............ فَزِعْتُ فيهِ بآمالي إلى الكَذِبِ

حتى إذا لم يَدَعْ لي صِدْقُهُ أمَلاً ............. شَرِقْتُ بالدّمعِ حتى كادَ يشرَقُ بي

و الرأي عندنا أن هذين البيتين هما أول ما قاله أبو الطيب من القصيدة حين بلغه خبر موت حوله وهو بالكوفة , ففزع قلبه , واضطرب أمره , وانتشرت عليه عواطفه , ففي البيتين أثر قلبه الفزع المضطرب , وعليها وسمٌ من لوعته و حرقته.

و قد غلب أبا الطيب بيانه في هذين البيتين , فصرّح فيهما بكل ما يضمر لخولة من الحب. أنظر كيف جعل الخبر يطوي الجزيرة كلها يقصده وحده دون غيره , وقد خصّص ذلك بقوله (حتى جاءني) , وفي هذا من غلبة الحب على قلب أبي الطيب ما جعله يرى أن هذا الخبر بموتها = الذي سمعه وهو بالعراق , وقد كان قد علمه الناس ولا شك = لم يقطع أرض الجزيرة إلا ليبلغه هو , و الحب دائما يخص و يضيّق بمثل ذلك. ولا يرى فيه الشَّرِكة , ولو تساوى الناس جميعاً في المشاركة فيه أو العلم به. ثم إن أبا الطيب نسب الفزع الذي لحقه إلى آماله , إذ كانت آماله كلها في الحياة بعد حبه خولة متعلقة بها و بحياته , فلما جاءه الخبر بموتها فزعت آماله هذه أملاً أملاً إلى الشك

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير