كما عبر الشاعر عنه ببعض ما يدل عليه من ألفاظ كالبلد والأرض والمقام، وببعض مكوناته كالركن والمحراب، أو ببعض ما يدعى عليه كذبا وزورا كالهيكل، أو بعض ما اشتهر حوله كالخيام، أو ما اشتهر به من كونه بوابة السبع الطباق، منه واصل الرحلة في الكون البراق .. فهو عتبة المعراج، وبداية الطريق إلى سدرة المنتهى ..
يا بني الإسلام ما حل بكم؟
هل نسيتم أنني بوابة السبع الطباق؟
من هنا قد واصل الرحلة في الكون البراق (رسالة من المسجد الأقصى)
ثم يأتي المسجد الأقصى مقرونا بالبيت الحرام لتتأكد قدسيته ولترتفع في الأمة درجة التأهب القصوى من أجل تحقيق الأمن للمسجد الأقصى كما هو متحقق للبيت العتيق بنص القرآن الكريم ((( ... ومن دخله كان آمنا .. ))) (آل عمران:97) ..
ربط القرآن بين البيت والأقصى رباطا أبديا
لم يكن ذاك خيارا
أو قرارا عربيا
مستعارا أجنبيا
كل من فرق بين البيت والأقصى فقد
كذب القرآن أو خان النبيا
وهنا نلحظ تأثير النص الغائب في هذه المقطوعة التميمية وهو النص القرآني في قوله تعالى (((سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير))) (الإسراء:1).
جمع تأخير:
كان بودنا أن نناقش قضايا كثيرة جدا يطرحها الديوان الشعري إلا أننا رجحنا التعاطي مع العتبة الأولى وسجلنا مجموعة كبيرة من النصوص الشعرية لكي نترك للمتلقي فرصة التعامل معها واستشرافها نظرا ليسرها وبساطة لغتها ووضوح معانيها وسهولة تراكيبها، وهذا لا يعني أن الشاعر في قصائده –كما يقول سميرة عطية– "قد أخذ منحى "اللغة التقريرية" ولكن الذي أقوله وبكل شفافية إن أشعار الدكتور عبد الغني قد حافظت – في العموم- على جماليات الصور الفنية والمشاهد الشعرية وهي رغم أنها في الغالب صور ماثلة في أذهان المستمعين وحاضرة في ضمائر الناس إلا أن الشاعر قد استطاع أن يوظف هذه البساطة في الخطاب لكي يدخل إلى كثير من القلوب بلا استئذان وبكل حب! " (نقطة ضوء) .. ثم إني بالشاعر كأنما يريد أن يبقى ما أبدعه شاهدا على هذا العصر الذي تفاقمت فيه كل المعطيات، وارتبكت فيه كل العلاقات، واختلطت فيه كل الأوراق، وضلت فيه العقول، وقست فيه الأفئدة، وأنكر فيه الصحب صحبه .. يكتبه شعرا للتاريخ ويتركه صرخة تعبر عن صوت الشرفاء في هذه الأمة .. الذين يقولونها بكل صراحة:
أقولها صريحة
في جملة مختصره:
رصاصة واحدة
خير لنا من عشره
قول الرصاص فاصل
وما سواه ثرثره
رصاصة خير لنا
من ألف ألف حنجره (مجزرة)
*******
سأقولها بصراحة وأعيدها
حتى يهب من الفراش النوم:
"وجب الجهاد فيا حدود تمزقي
هذي خيول الفاتحين تحمحم" (من نحن؟)
ولا غرابة أن تكون هذه الصراحة (14) بهذا الشكل هي ختام القصيدتين " مجزرة " و" من نحن؟ " وعلى هذا الغرار وإن اختلفت كانت جل القصائد تنتهي بمفاهيم الجهاد والمقاومة والصمود والممانعة والتفاؤل وكشف الحقائق ..
أقولها صريحةً لا تعرف الحدودْ وحرّةً لا تألف القيودْ
أقولها جريئةً بريئةَ الصدور والورودْ
أقولها وأنتم وكل أهل الأرض والسما شهودْ
أقولها صريحة للمرّة الألفِ
إلى متى نظل طعمةً لعقدة الخوفِ
إلى متى نظل أمة أميّة؟
أمّية العقول لا أميّة الحرفِ (من قصيدة: أقولها صريحة)
نختم هذه القراءة البسيطة، ويبقي في النفس من شعر شاعرنا عبد الغني التميمي الكثير أتمنى من العلي القدير أن يفسح لنا في العمر ما يتيسر فيه تقديم قراءات أخرى ..
الهوامش والمراجع:
(*) يرجى الاطلاع على مقالنا "هموم الأرض في الشعر الإسلامي المعاصر " من مجلة المسلم المعاصر في عددها 48 السنة 12 شوال 1407هـ الصفحة:91.
(1) هذا المصطلح يطرح مجموعة من المشكلات في تركيبته وفي تاريخيته ومدى تعبيريته .. نتركها لبحث آخر إن شاء الله ..
¥