تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

* و أما ما يجب في المقطع (آخر بيت في القصيدة)، فأن يُتحرى أن يكون فيه من الكلام كأحسن ما اندرج في حشو القصيدة (و كثيرا ما يعيد الشعراء بعض ما بدأوا به المطلع)، و لا يقطع الكلام بكريه لفظ أو معنى منفر، و يحسُن ترك ما يكره و لو ظاهره، و ما توهمه دلالة العبارة أولا و لو بعد رفع الإيهام، و يمثل القرطاجني على ذلك بقول المتنبي:

فلا بلغت بها إلا إلى ظفر و لا وصلت بها إلا إلى أمل

(و لا بأس أن أُعدّل في البيت بما يتوافق مع نظرة القرطاجني، فكان أجدر القول:

فقد بلغت بها حقا إلى ظفر و قد وصلت بها صدقا إلى أمل)

فالإساءة في منقطع الكلام و خاتمته، تهدم ما حسُن قبلا، و هذا الذي تقدم في المطالع و المقاطع هو المذهب المختار عند القرطاجني.

* و في الشعراء من لا يهتم بما يبدأ و ما ينتهي، فيبدأ كيفما شاء و ينتهي كيفما اتفق، و هذا لمن يريد إعفاء خاطره أو يدعي عدم التنقيح بأن (أخذ الكلام أخذا اقتضابيا على الصورة التي عنّ له فيها أولا) (ص 286).

* و أما باعتبار الرأي الثاني (على أن المطالع أوائل كل الأبيات، و المقاطع أواخرها):

فيجب في المطالع السلامة من الخرم (حذف ثاني السبب الثقيل و أول الوتد المجموع في صدور الأبيات) و أن تكون مستقلة عما قبلها أو في قوة المستقلة، مع تحاشي كل ما يُكره سمعا و فهما.

و يحسُن أن لا تتكرر الألفاظ الواقعة في المطالع على قرب.

و يجب في المقاطع (الأعجاز) مثل المطالع تجنب كل مستكره منفر، ليكون الكلام مقبولا في النفس محببا إلى القلب.

المنهج الثالث: في الإبانة عما يجب في تقدير الفصول و ترتيبها، و وصل بعضها ببعض، و تحسين هيئاتها، و ما تعتبر به أحوال النظم في جميع ذلك من حيث يكون ملائما للنفوس أو منافرا لها:

أ- معلم دال على طرق العلم بأحكام مباني الفصول، و تحسين هيئاتها و وصل بعضها ببعض:

يعقد القرطاجني تمثيلا لطيفا لأبيات الشعر باعتبارها وحدات في القصائد، فيشبهها بالحروف المقطعة من الكلام المؤلف، فيجعل بيت الشعر كالحرف الواحد، و الفصول (و هي مجموعة أبيات مرتبطة في المعنى فيما بينها بشكل فكرة واحدة) كالكلمة المؤلفة من الحروف، و القصائد المؤتلفة بالكامل كالعبارات المؤلفة من الألفاظ، و هذا المعلم مخصص لبحث مواد فصول القصائد و هيئاتها

و ترتيبها، و الكلام في هذا يشمل على أربعة قوانين:

القانون الأول: في استجادة مواد الفصول و انتقاء جوهرها.

القانون الثاني: في ترتيب الفصول و الموالاة بين بعضها و بعض.

القانون الثالث: في ترتيب ما يقع في الفصول (داخل الفصل الواحد).

القانون الرابع: في ما يجب أن يقدم في الفصول، و ما يجب أن يؤخر فيها، و ما يُختتم به.

القانون الأول: استجادة مواد الفصول و انتقاء جوهرها

فيجب أن تكون (الفصول) متناسبة المسموع و المفهوم، حسنة الإطراد، متوافقة النسج، يخدم بعضها بعضا، فيكون كل بيت (يشمله و غيره من الأبيات بنية لفظية أو معنوية يتنزل بها منه منزلة الصدر من العجز أو العجز من الصدر) (ص 288)، و أن يكون نمط النظم مناسبا للغرض كالجزالة في الفخر، و العذوبة في النسيب.

كما يحسن اعتدال الفصول بين الطول و القصر فيما بينها.

القانون الثاني: ترتيب الفصول و الموالاة بين بعضها البعض

فيقدم من الفصول ما يكون للنفس به عناية حسب غرض الكلام، بعبارة حسنة تليق بالمبدأ، و يتلوه الأهم فالأهم، و تقديم الفصول القصار على الطوال أحسن.

القانون الثالث: في تأليف بيوت الفصل بعضها إلى بعض

يجب أن يُبدأ فيها بالمعنى المناسب لما قبله على أن يكون عمدة معاني الفصل ليكون وروده حسنا على النفس، و بعض الشعراء يؤخرون المعنى الأشرف لخاتمة الفصل، و أما ما كان من الأقوال الشعرية المردفة بالخطابية، فالأحسن بدؤه بأشرف معاني المحاكاة و ختمه بأشرف معاني الإقناع، و كذلك كان يفعل المتنبي غالبا.

و يحسن صياغة رأس الفصل بحيث يدل على ذلك و أن يُناط به معنى مستحسن للنفس، فذلك في أول الفصل أحسن.

و المذهب المختار أن يكون لمعنى البيت علاقة بما قبله و نسبة إليه، إضافة لما صدِّر به من معنى ابتدائي. و ربما خُتم الفصل بالإشارة إلى الفصل الذي بعده.

القانون الرابع: في وصل الفصول بعضها ببعض:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير