[هل شارك سيدنا يوسف عليه السلام في حكم كفر]
ـ[أبو أسامة الكردي]ــــــــ[01 Oct 2008, 07:21 م]ـ
السلام عليكم
أخواني وأخواتي الأفاضل في هذا المنتدى المبارك:
فسر معظم المفسرين الاية المذكورة اعلاه (مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ) بمعنى شريعة و نظام الملك فهذا الامام الطبري رحمه الله يقول
[وقوله: (ما كان ليأخذ أخا في دين الملك إلا أن يشاء الله)، يقول: ما كان يوسف ليأخذ أخاه في حكم ملك مصر وقضائه وطاعته منهم، لأنه لم يكن من حكم ذلك الملك وقضائه أن يسترقّ أحد بالسَّرَق]
ويقول الامام ابن كثير رحمه الله [قوله: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} أي: لم يكن له أخذه في حكم ملك مصر، قاله الضحاك وغيره]
وورد في تفسير البغوي [{مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ} فيضمه إلى نفسه، {فِي دِينِ الْمَلِكِ} أي: في حكمه. قاله قتادة. وقال ابن عباس: في سلطانه. {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} يعني: إن يوسف لم يكن يتمكن من حبس أخيه في حكم الملك]
ويقول الشهيد سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية في الظلال [{كذلك كدنا ليوسف. . ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك. .}. .إن هذا النص يحدد مدلول كلمة «الدين» في هذا الموضع تحديداً دقيقاً. . إنه يعني: نظام الملك وشرعة. . فإن نظام الملك وشرعه ما كان يجعل عقوبة السارق هو أخذه في جزاء سرقته. إنما هذا كان نظام يعقوب وشريعة دينه]
فإن قلنا أنّ المعنى المراد من كلمة دين هو شريعة (كما يفهم ذلك اصحاب اطروحة المشاركة في الانتخابات في ظل الأنظمة الديمقراطية التي لا تحكم بما انزل الله) وجدنا أنّ القرائن الشرعية تمنع هذا الفهم لأنه سيؤدي إلى أنّ سيدنا يوسف قد شارك في حكم كفر، وهذا حرام على الأنبياء والمؤمنين، ومخالف لطبيعة الرسالة التي تقوم على إفراد الله في العبودية والتشريع، يقول تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) فيوسف عليه السّلام الذي يقول للناس (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)
وإنّ قلنا بأنّ المعنى المراد من كلمة دين هو استعباد، وصار أخوه مدينا أي عبداً مملوكاً فهذا المعنى ينسجم انسجاماً تاما مع ما سبق الآية من قول إخوة يوسف إنّ السارق يُسترق. فيكون معنى الآية: ما كان ليأخذ أخاه في استرقاق واستعباد الملك، وجعله مديناً أي عبداً مملوكاً له دون أن يفعل من وضع السقاية في رحل أخيه، إلاّ أن يشاء الله. وهذا هو المعنى الأقرب إلى الصواب. وليس من قرينة شرعية تمنعه. بل ينسجم انسجاماً تاماً مع ما قبله، وينسجم تماماً مع ما وصف الله به سيدنا يوسف من أنه من المحسنين والمخلصين وما شهد له الناس به.
وبهذا ينتفي مثل هذا التفسير الذي يتعارض مع عصمة الأنبياء، وعدم وقوعهم في المعصية، أو أن يقولوا ما لا يفعلون.
ومن المعلوم أن كلمة دين في اللغة العربية من الألفاظ المشتركة التي تحمل أكثر من معنى. فقد جاء في لسان العرب: الدّين يعني القهر والطاعة. تقول: دنتهم فدانوا أي قهرتهم فأطاعوا. والدّين تعني الجزاء والمكافئة، تقول: دنته بفعله ديناً أي جزيته. ويوم الدّين يعني يوم الجزاء والدّين تعني الحساب ومنه قوله تعالى (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ). والدّين تعني الشريعة والسلطان ومنه قوله تعالى (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهٌ) والدين تعني الذل والإستعباد. والمدين هو العبد. والمدينة هي الأمة المملوكة. ومنه قوله تعالى (أَئِنَّا لَمَدِينُون) أي مملوكون. ومنه كذلك قوله تعالى (فَلَوْلا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) أي غير مملوكين. وهناك معاني اُخرى لها ,فأيّ معنى بالتحديد هو المعنى الذي يريده الله سبحانه وتعالى في الآية؟ وانتقاء معنى من هذه المعاني لا بد له من قرينة تجعلنا نأخذ هذا المعنى دون غيره. ومن هنا يتبين أنّ من يأخذ المعنى الذي يناسبه ويناسب توجهه إنما يحكم هواه في الشّرع. ومن يأخذ المعنى المنضبط والمقيّد بقرائن شرعية تدل عليه يكن محّكماً لشرعه ملتزماً أمر ربّه. فأيّ معنى هو المعنى المراد.
وهنا اسأل سؤالين واريد الإجابة عليهما:
1 - هل ما ذكرته اعلاه نستطيع اعتباره قرائن شرعية تصرف معنى كلمة دين إلى غير معنى الشريعة والحكم
2 - لو قلنا أنّ المعنى المراد من كلمة دين هو شريعة أفلا يدل ذلك على أن سيدنا يوسف عليه السلام قد شارك في نظام كفر يحكم بغير ما انزل الله (كما يستدل بذلك الاسلاميون الذين يعتبرون هذا الفهم يجيز لهم المشاركة في الإنتخابات في الأنظمة التي لا تحكم بشرع الله) وهذا ما ينافي مبدأ العصمة؟
أم ان المسالة لايفهم هكذا ,أرجو البيان وجزاكم الله خيرا
¥