تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[منهج د. محمد عبد الله دراز في التأصيل الإسلامي لعلم الأخلاق في القرآن]

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[29 Oct 2008, 02:45 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

محمد عبدالله دراز المتوفى منتصف عام 1377هـ رحمه الله، العالم المسلم الكبير قامةٌ علميةٌ قلَّ من عرف قيمته من طلبة العلم المعاصرين، وأراه لا يزال في حاجة ماسة إلى إلقاء المزيد من الأضواء على بحوثه ومؤلفاته الفريدة المتميزة. ومن أجود كتبه وأثمنها كتابه القيم (دستور الأخلاق في القرآن الكريم) ومنذ زمن وأنا أزمع الكتابة عن كتابه هذا وأعرض أبرز ما اشتمل عليه من فوائد، ولم يتيسر بعدُ فعلُ ذلك، ومثله كتبه (النبأ العظيم) و (مدخل إلى القرآن) وغيرها.

وقد قرأتُ عدداً من البحوث حول هذا الكتاب، ومنها هذه المقالة التي نشرتُ في مجلة (إسلامية المعرفة) التي يصدرها المعهد العالمي للفكر الإسلامي في العدد رقم 53 من المجلة بقلم رئيس التحرير، وأرجو أن ينتفع به القارئ في معرفة ما شاتمل عليه ذلك الكتاب القيم الذي كان جزءاً من رسالة دكتوراه الدولة من جامعة السوربون الفرنسية عام 1367هـ.

منهج محمد عبد الله دراز في التأصيل الإسلامي لعلم الأخلاق

مفهوم التأصيل:

التأصيلُ مصطلحٌ يدلُّ على مفهوم، لكنّ المفهومَ غير محدد تماماً؛ إذْ قد ينصرفُ إلى دلالات متعددة، وقد تكون متناقضةً. ولذلك يجدرُ بالباحث أن يُعرِّف بالمصطلحات التي يختارُ استعمالَها في بحثه بدلالةِ أهداف البحث وإجراءاته، ضمن ما أصبح يعرف في مقدمات البحوث بالتعريف الإجرائي لمصطلحات البحث.

ويبدو أنّ اختيارَ المصطلح يخضعُ لعدد من الاعتبارات، بعضُها فكريٌ بحتٌ، لكنَّ بعضَها لا يخلو من ايحاءاتٍ سياسية. وربما ينطبق ذلك على مصطلح التأصيل. ومع ذلك، فإننا إذا تجاوزنا الدلالات المحددة التي اختارتها بعض المؤسسات لبرامجها ومشاريعها الفكرية، عند استعمالها لمصطلح التأصيل أو المصطلحات القريبة منه، فإننا نجد دلالاتٍ عامةً تكاد تكون مقبولة بشكل عام.

فالتأصيل هو البناء على الأصل، والانطلاق منه، والارتباط به. والأصل هو القاعدة التي يتم البناء عليها، فمثلاً عند قولنا: "الأصل في الأشياء الإباحة"، يمثل هذا قاعدةً شرعية في بيان الأحكام، ويتم تطبيق القاعدة على الحالات والأمثلة والقضايا، حتى يتم الحكم عليها والخروج برأي فيها. فالتأصيل في هذا المجال، هو النظر في الأمور والقضايا المراد الحكم عليها، بردّها إلى القاعدة التي يلزم تطبيقُها، فلا تردُّ إلى قاعدةٍ غيرِها، ولا يُنْظَرُ إليها نظرةً مستقلة، وكأنَّها شيءٌ لا أصل له.

والأصل هو ما ليس بفرع، وتربط الفروع بالأصول حتى يتمَّ تكوينُ الرُّؤْيَةِ الكليّة التي يصعب تكوينُها من النظر إلى فرعٍ واحدٍ، أو عددٍ من الفروع المتفرقة والمفصولة عن أصلها.

وتأصيل الشيء أو الفكرة يكونُ بِرَدِّها إلى أصلها، أو إيجاد أصل لها ضمن النظام المعرفي المعتمد في موضوع البحث، فتأصيل الفكرة هو بحث استرجاعي Retrospective يحاول ربط الفكرة بتاريخها وماضيها، أو هو بحث تحليلي يحاول ربط الفكرة الفرعية بأصلها الكليّ، أو المثال بقاعدته.

وتتضمنُ عمليةُ التأصيلِ توليدَ الأفكارِ الجديدة من أصولها وقواعدها، عن طريق الاستدلال الاستنباطي Deductive inference. فالفكر المؤصَل هو الفكر الذي يتم التوصل إليه من استلهام الأصول أولاً، والاشتقاق من هذه الأصول ثانياً، وكل فكر لا يتصف بذلك فكر غير مؤصَّل.

وارتبط التأصيل في اللغة المستعملة بالأصالة، بمعنى الجِدَّةِ والإبداعِ؛ فالفكرةُ الأصيلة فكرةٌ جديدةٌ غيرُ مسبوقة. والبحثُ الأصيل هو البحث الجديد الذي يُعرَضُ للمَرَّةِ الأولى. ومع ذلك فقد ارتبط التأصيل في اللغة المستعملة بالماضي، فالأصيل هو ما له أصلٌ في الماضي، ومن ثم أصبحت الأصالةُ تقابلُ المعاصرة. وحين نشعر بالحاجة إلى تأكيد هذا العمق التاريخي في الانتماء والهوية، دون التقليل من أهمية الاستجابة لمتطلبات العصر ومستجدات الحداثة، نجمع المعاصرة إلى الأصالة في شعار إيجابي مشترك.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير