[آثار الربا الاجتماعية ... (1) وقفة مع النصوص ...]
ـ[فهد الوهبي]ــــــــ[13 Oct 2008, 09:34 ص]ـ
الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. وبعد ..
فلا شك أن أعظم الأنظمة الاقتصادية في التاريخ؛ هو النظام الاقتصادي الإسلامي، القائم على أسس من أهمها تحقيق مطالب الإنسان الروحية والنفسية، لذا فإن الإسلام يضحي بالمال عندما تتعين التضحية طريقاً للسمو الروحي والتهذيب النفسي والسلوكي للإنسان، وتتمثل هذه التضحية بأمرين:
الأول: إهدار القيمة المالية لبعض الموجودات لأنها تدنس روح الإنسان، أو تسلب كرامته، كتحريم الخمر والخنزير والنجاسات.
الثاني: تحريم بعض المعاملات الاقتصادية رغم ما تحققه من أرباحٍ مادية لأنها تؤدي إلى تحجر القلوب أو إفساد الضمير أو انحراف السلوك أو ضياع مصالح للمسلمين أكبر. ومن ذلك تحريم بيع السلاح للعدو وتحريم القمار والغش وتحريم الربا ..
وفي هذا البحث المختصر أحببت أن أقف مع آثار الربا الاجتماعية .. ولعل البداية تكون ببيان الأدلة الدالة على تحريم هذه المعاملة الجاهلية ..
لقد حرم الله الربا وقرر أنه من أكبر الكبائر كما بَيَّن أنه سبب لعقوبات عديدة في الدنيا والآخرة.
ولم يقف عند هذا الحد، بل منع الاسلام من تقديم أي مساعدة للتعامل الربوي (1).
وفي هذه الجولة اليسيرة في نصوص تحريم الربا أحببت أن أحقق منها عدداً من الأمور:
1 - بيان عظمة هذا الأمر وخطره عند الله تعالى ولذا ترتبت عليه العقوبات الكثيرة وجاءت فيه النصوص بالتأكيد والتصريح بأنه من المحرمات العظام.
2 - إن قراءة كلام قاله الله تعالى وكلام قاله رسوله صلى الله عليه وسلم ليقع في النفس موقعاً يجعل المسلم يستشعر حال القراءة الإذعان والانقياد والطاعة، فلعل في قراءة هذه النصوص رادعاً للبعد عن هذه الكبيرة العظيمة وحاجزاً لمن يغريه لمعان بريقها.
3 - لم أرد الخوض في أنواع وتعريفات الربا والكلام على كل نوع على حده فإن لذلك موضعاً آخر بل أردت بيان عظمة الحرمة وشدتها.
4 - أردت تشجيع من أعلن توبته من الربا وتعزيز ثباته على ذلك وقطع طريق العودة بقراءته لهذه النصوص العظيمة.
5 - أيها القارئ لهذه النصوص من القرآن والسنة، إنها رسائل تنادي فيك الإيمان ونُذُر تحذرك مغبة هذا الإثم العظيم فإن كنت ممن سلم منه فاحمد الله وانصح من تعلمه ممن وقع فيه، وإلا فاحذر الله ..
لقد تنوعت أدلة تحريم الربا في الكتاب والسنة وأجمع المسلمون على ذلك وسنذكر –إن شاء الله تعالى- الأدلة من الكتاب ثم من السنة ثم الإجماع على ذلك:-
أولاً: أدلة تحريم الربا في القرآن الكريم:-
لا شك أن القرآن قد نهى عن كثير من المنكرات وشدد الوعيد في بعضها، ولكن الكلمات التي جاء بها لإعلان حرمة الربا أشدُّ وآكد من الكلمات التي أوردها للنهي عن سائر المنكرات والمعاصي ([2]).
وذكر الله -عز وجل- تحريم الربا في آيات من كتابه الكريم منها:-
1. قوله تعالى:-" الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسِّ ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" [البقرة: 275].
ويستدل بهذه الآية على تحريم الربا من عدة وجوه هي:-
الوجه الأول:
ذكر حال المرابي في قوله "الذين يأكلون الربا " وحتى قوله "ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا":-
روى الإمام الطبري -رحمه الله- عن سعيد بن جبير –رحمه الله- في تفسير هذه الآية قوله:- (يبعث آكل الربا يوم القيامة مجنوناً يخنق) ([3]).
ونقل عن قتادة قوله:- (وتلك علامة أهل الربا يوم القيامة، بعثوا وبهم خبل من الشيطان) ([4]).
ومعنى الآية:
أن الذين يربون الربا لا يقومون في الآخرة من قبورهم إلا كما يقوم الذي يخنقه الشيطان فيصرعه من الجنون ([5]).
والله سبحانه وتعالى إنما يرتب هذه العقوبات على المعاصي والموبقات لا على القربات والمباحات.
¥