[آثار الربا الاجتماعية ... (2) وقفة مع الآثار النفسية والجماعية ...]
ـ[فهد الوهبي]ــــــــ[14 Oct 2008, 02:19 م]ـ
الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. وبعد ..
فهذه الحلقة الثانية من هذا الموضوع وقد سبق في الجزء الأول الحديث عن أدلة تحريم الربا في موضوع:
آثار الربا الاجتماعية ... (1) وقفة مع النصوص ... ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=13346)
وسوف يكون الحديث هنا عن آثار الربا الاجتماعية، وهي آثار كثيرة يتبين بها حكمة تحريم هذه المعاملة الجاهلية .. وقد ذكرت باختصار شديد هذه الآثار ولعل الإخوة الأفاضل يزيدون ما لديهم أو يتوسعون في بعض هذه الآثار:
إن الربا عمل يتنافى مع الشرع الإسلامي، إنه يقوم على الاستغلال، والمرابي لا يجعل الله في حسابه ولا يراعي المبادئ والغايات والأخلاق، وإنما الغاية عنده هي تحصيل المال بأي طريق وأية وسيلة، ويؤدي هذا إلى إنشاء نظام يسحق البشرية ويشقيها أفراداً وجماعات، دولاً وشعوباً، لمصلحة شرذمة قليلة من المرابين لا يرعون عهداً ولا ذمة لأحد من الناس ([1]).
وللربا في المجتمعات التي تتعامل به آثارٌ وخيمة على الفرد وحده وعلى المجتمع بأسره ويمكن أن نبحث في آثار الربا الاجتماعية من ناحيتين:-
الناحية الأخلاقية والنفسية، والناحية الجماعية وهي كما يلي:-
أولاً: آثار الربا من الناحية الأخلاقية والنفسية:
أنزل الله دينه ليقيم العباد على منهج العبودية الحقة التي تعرج بهم إلى مدارج الكمال، وتسموا بهم إلى المراتب العليا، وبذلك يتخلصون من العبودية ([2])، لِيقَصروا أنفسهم على عبادة رب الخلائق، ويتخلصوا بذلك من الدخن والفساد الذي يخالط النفوس في تطلعاتها ومنطلقاتها، إنّ الإسلام يريد أن يطهر العباد في نفوسهم الخافية المستورة، وفي أعمالهم المنظورة، وتشريعات الإسلام تعمل في هذين المجالين، وهذا الذي نشير إلى أنّ الإسلام يريده بنا هو الذي سمّاه القرآن التزكية والتطهير: " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها " [التوبة: 103].
وقد أقسم الرب تبارك وتعالى في سورة الشمس أقساماً سبعة على أنّ المفلح من زكَّا نفسه، والخائب من دسَّاها:- " قد أفلح من زكاها، وقد من دساها " [الشمس: 9 –10].
والربا واحد من الأعمال التي تعمق في الإنسان الانحراف عن المنهج السوي، ذلك أنّ المرابي يستعبده المال، ويعشي ناظريه بريقُه، فهو يسعى للحصول عليه بكل سبيل، وفي سبيل تحقيق المرابي لهدفه يدوس القيم، ويتجاوز الحدود، ويتعدى على الحرمات ([3]).
والربا ينبت في النفس الإنسانية صفات ذميمة ويصرف عنه ما يحصل للمؤمنين المتقين من السعادة، وفيما يلي استعراض لأهم هذه الآثار الملاحظة على من يتعامل بالربا:-
1.الربا ينبت في النفس الإنسانية الجشع كما ينبت الحرص والبخل:-
وهما مرضان ما اعتورا نفساً إلا أفسدا صاحبها ([4]) فبالنظر إلى العمل بالربا نجد أنه يبدأ من رغبة في جمع المال منطبعاً بالأثرة والبخل وضيق الصدر والعبودية للمال والتكالب عليها… وهذا على العكس مما يأمر به الشرع الاسلامي القائم على الزكاة والصدقات وعلى الكرم والسخاء والإيثار … وغير ذلك من الصفات الشريفة ([5]).
2.الشَّره والكسل غير المريح:-
وإنَّ هذه الآفة ([6]) تظهر آثارها جلية واضحة في الشره الذي يخيم على نفوس المرابين، ويجعلهم يستغلون كل قوى غيرهم وإنتاجه في كسب يعود عليهم، فإنَّ من السَّهل على مَنْ عنده عشرة آلاف مثلاً أن يعرضها بفائدة خمسة في المائة أو ستة في المائة فيجيء إليه وهو جالس في عقر داره خمسمائة كل عام، من غير جهد ولا عمل ومن غير أن يتعرض لخسارة، إلا أن تجتاح المقترض جائحة تأكل الأخضر واليابس ولا تبقي ولا تذر… وفي غالب الأحيان قد احتاط الدائن لماله فينقض عند نكبة المدين على ما عساه يكون قد بقي من ماله…
وإنّ ذلك الكسل الذي يكون فيه الدائن ليس هو الكسل المريح، بل هو الكسل الذي يصحبه الوسواس الدائم والاضطراب المستمر لأنه قد أودع ثروته بين أيدي الناس يراقبهم، ويتتبعهم، لا ليشركهم في خسارتهم ومغارمهم كما يشركهم في كسبهم ومغانهم، بل يترقبهم ليحافظ على ماله وفائدته التي تتضاعف عاماً بعد عام .. ([7])
3. الإسراف وعدم الادخار:-
¥