[أصول الحوار مع الآخر في القرآن الكريم]
ـ[فضل الهادي وزين]ــــــــ[21 Oct 2008, 04:17 م]ـ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .. أما بعد:
فهذا بحث موجز عن منهج التفسير الموضوعي يتناول "الأصول القرآنية للحوار مع الآخر" حاولت فيه معالجة أحد أبرز القضايا المثارة اليوم في الأوساط والمنتديات العلمية والثقافية، وهي قضية الحوار بين الأديان والثقافات وموقف المسلم المعاصر منها، ولا شك أن قضية الحوار بين أتباع الديانات والثقافات إذا كانت من جانب من القضايا التي تحتل مساحة كبيرة من اهتمام المفكرين والعلماء في خريطة الفكر المعاصر عالميا وإسلاميا، فإنها من جانب آخر من الموضوعات الدقيقة والشائكة والمعقدة التي كثرت فيها الأقوال، وتعددت حولها الآراء، وتباينت في جزئياتها وتفاصيلها وجهات النظر ما بين مؤيد متفائل غال لا يعرف حدودا للحوار وثغورا لموضوعاتها غير مفرق بين الأصول الثابتة للدين والأحكام المتغيرة في الفقه ..
عارضا كل شيء على طاولة الحوار وموائد المساومات، وبين رافض متشائم لا يرى جدوى من الحوار والانفتاح على الآخر ظانا أن السلامة في التقوقع والانغلاق داخل الذات وسد النوافذ أمام العالم، وبين هؤلاء وهؤلاء متحير متردد التبس عليه الأمر لا يقدر على التمييز بين الصواب والخطأ، ولكن هناك آخر هو خير من هؤلاء الثلاثة؛ لأنه واقف في الوسط يتعامل مع المسألة بحذر وموضوعية، آخذا في الاعتبار الأبعاد الإيجابية والجوانب السلبية، مراعيا في موقفه ضوابط الدين ومقتضيات العقل، محاولا الجمع بين الصحيح المعقول والصريح المنقول.
وانطلاقا من هذه المواقف تعددت الكتابات حول الحوار والقضايا المتصلة بها، وفي تلك الكتابات – بطبيعة الحال - غث وسمين، وصحيح وسقيم، والباب مفتوح للمزيد.
فأردنا أن نقوم بمحاولة متواضعة للبحث عن أصول للحوار مع الآخر في القرآن المجيد، والعثور على ضوابط حاكمة في منطلقاته ومساره.
ولعل الجديد الذي في هذه المحاولة – إن كان هناك من جديد - كونها أول دراسة مستقلة حول أصول الحوار وضوابطه في القرآن الكريم على طريقة التفسير الموضوعي - حسب علمي واطلاعي - فالقرآن هو أساس الإسلام ومنطلقه، وكل أمر في هذا الدين، صغيرا كان أم كبيرا، لابد أن يبدأ منه ويعود إليه. والله أسأل أن يتقبل هذا جهد المقل وينفع به كاتبه وقرّاءه، إنه تعالى سميع مجيب.
أ - مفهوم الحوار في اللغة:
أصل الحوار من الحور، وهو الرجوع عن الشيء إلى الشيء. و معنى الحوار في اللغة: "تراجع الكلام" [1] وفي لسان العرب:» وهم يتحاورون أي: يتراجعون الكلام، والمحاورة: مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة «[2].وقال الراغب الأصفهاني:» المحاورة والحوار: المراودة في الكلام ومنه التحاور «[3].
وقد وردت المعاني المذكورة لكلمة الحوار في سياق الآيات الكريمة التي تضمنت مادة "حور":
قال تعالى: ?إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ? [4]، قال الإمام القرطبي في تفسيره للآية:» أي: لن يرجع حيًّا مبعوثا فيحاسب، ثم يثاب أو يعاقب .. فالحور في كلام العرب الرجوع «[5].وقال تعالى: ?قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ? [6] قيل في تفسير الآية:» تراجعكما «[7] أي في الكلام.
وقال تعالى: ?فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً? [8] قيل في تفسير هذه الآية:» أي يراجعه في الكلام ويجاوبه، والمحاورة المجاوبة، والتحاور: التجاوب «[9].وقد جاءت مادة الحور في الأحاديث النبوية الشريفة بمعنى الرجوع، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:» من دعا رجلا بالكفر أو قال: عدو الله وليس كذلك، إلا حار عليه «[10]. أي:» رجع عليه الكفر «[11].
وقد ورد في حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ من» الحَوْر بعد الكوْر «[12] ومعنى الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يستعيذ من الرجوع إلى النقصان بعد الزيادة [13].وقد اتضح أن المعنى اللغوي لكلمة الحوار يدور حول المراجعة في الكلام بين شخصين أو طرفين أو أكثر، والمحاورة هي تداول الكلام بين طرفين أو أطراف.
ب: الحوار في الاصطلاح:
¥