ليالٍ مع أخلاق المفسرين .. في كتاب طبقات المفسرين للداودي ... (1)
ـ[فهد الوهبي]ــــــــ[12 Oct 2008, 08:11 ص]ـ
الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. وبعد ..
فإن منهج السلف رحمهم الله تعالى جامع للعلم والعمل، بعيد عن التكلف، إمامهم في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي قال الله تعالى فيه: (وإنك لعلى خلق عظيم)، ووصفته عائشة رضي الله عنها بقولها: (كان خلقه القرآن).
ولا شك أن أثر القرآن ظاهرٌ على العلماء الربانيين، والأئمة المصلحين، وكل من اشتغل بالقرآن مع صدق النية وصحة القصد تغيرت حاله ورقت نفسه وجملت أخلاقه، كل ذلك ببركة هذا الكتاب العظيم،
قال الشيخ السعدي: "ولما كان القرآن العظيم بهذه الجلالة والعظمة، أثَّر في قلوب أولي الألباب المهتدين، فلهذا قال تعالى: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} لما فيه من التخويف والترهيب المزعج، {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} أي: عند ذكر الرجاء والترغيب، فهو تارة يرغبهم لعمل الخير، وتارة يرهبهم من عمل الشر ". [تفسير السعدي: 1/ 722].
وقال الزرقاني عنهم: " حتى صهرهم القرآن في بوتقته وأخرجهم للعالم خلقاً آخر مستقيم العقيدة قويم العبادة طاهر العادة كريم الخلق نبيل المطمح ". [مناهل العرفان: 2/ 297].
وقال ابن جماعة في تذكرة السامع والمتكلم: " وإن أحق الناس بهذه الخصلة الجميلة، وأولاهم بحيازة هذه المرتبة الجليلة: أهل العلم الذين حلُّوا به ذروة المجد والسناء، وأحرزوا به قصبات السبق إلى وراثة الأنبياء؛ لعلمهم بمكارم أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه، وحسن سيرة الأئمة الأطهار من أهل بيته وأصحابه، وبما كان عليه أئمة علماء السلف، واقتدى بهديهم فيه مشايخ الخلف. قال ابن سيرين: (كانوا يتعملون الهدي كما يتعلمون العلم)، وقال الحسن: (إن كان الرجل ليخرج في أدب نفسه السنتين ثم السنتين)، وقال سفيان بن عيينة: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الميزان الأكبر، وعليه تُعرض الأشياء؛ على خلقه، وسيرته، وهديه، فما وافقها؛ فهو الحق، وما خالفها؛ فهو الباطل) ... وقال مخلد بن الحسين لابن المبارك: (نحن إلى كثير من الأدب أحوج منا إلى كثير من الحديث) ". [ص: 20 ـ 21].
وهذه فرائد جمعتها في هذا الباب من كتاب طبقات المفسرين للداودي (1)، والقصد منها أن نطبع هذه الصورة الطيبة عن العلماء الربانيين، وأن ننتقل مما أصاب من قشور العلم إلى اللب، وأن نعلم أن العلم كان عملاً حتى أصبح اليوم مهنة، كان المقصود هو التقرب إلى الله تعالى لا التكثر ولا التزيد، وأن الأخلاق كانت أصلاً من الأصول عند علماء السلف رحمهم الله، ذكرها علماء العقيدة في كتبهم، قال شيخ الإسلام في العقيدة الواسطية في ذكر عقيدة أهل السنة: " ويدعون إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه و سلم: (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقاً) ويندبون إلى أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك ويأمرون ببر الوالدين وصلة الأرحام وحسن الجوار والإحسان إلى اليتامى والمساكين وابن السبيل والرفق بالمملوك وينهون عن الفخر والخيلاء والبغي والاستطالة على الخلق بحق أو بغير حق ويأمرون بمعالي الأخلاق وينهون عن سفسافها" [32].
هذه بعض الصور لأخلاق المفسرين رحمهم الله من كتاب طبقات المفسرين للداودي أسأل الله أن ينفع بها، وأن يرزقنا حسن الاقتداء إنه جواد كريم ..
1 - حثهم على التواضع:
قال في ترجمة إبراهيم بن أحمد بن علي الجنبياني (ت: 369هـ) (4): " وكان إذا رئي ذكر الله تعالى من هيبته ... فإذا تكلم نطق بالحكمة، وكان قلما يترك ثلاث كلمات جامعة للخير، وهي: اتبع ولا تبتدع، اتضع ولا ترتفع، من ورع لم يقع".
2 - طيب نفس جداً:
وقال في ترجمة أحمد بن الحسن الرازي (ت: 745هـ): " وهو كبير المروءة لقصّاده، حسن المعاشرة، طيب الأخلاق، طيب النفس جداً ".
3 - حثهم على مكارم الأخلاق وحب الخمول:
¥