إن الأدب مع الله تبارك وتعالى هو القيام بدينه والتأدب بآدابه ظاهراً وباطناً. ولا يستقيم لأحد قط الأدب مع الله إلا بثلاثة أشياء: معرفته بأسمائه وصفاته، ومعرفته بدينه وشرعه وما يحب وما يكره، ونفس مستعدة قابلة لينة متهيئة لقبول الحق علماً وعملاً وحالاً والله المستعان. ص16.
3 ـ الأسماء الجامدة ليست من أسماء الله تعالى:
فليس من أسمائه عز وجل مثلاً: الدهر والشيء ونحو ذلك، لأن هذه الأسماء لا تتضمن معنى يلحقها بالأسماء الحسنى فالأسماء الحسنى أعلام وأوصاف، ولأن الله تعالى لم يتسم بها ولم يسمه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عزوجل: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار).
فهذا الحديث قد يفهم منه أن (الدهر) اسم من أسماء الله الحسنى، وهو ليس كذلك.
فهو أولاً: اسم جامد لا يتضمن معنى يلحقه بالأسماء الحسنى.
ثانياً: إن اسم الدهر للوقت والزمان.
أما معنى قوله تعالى: (وأنا الدهر) فهو كما قال الإمام الخطابي رحمه الله: (أي: أنا صاحب الدهر، ومدبر الأمور التي ينسبونها إلى الدهر، فمن سب الدهر من أجل أنه فاعل هذه الأمور، عاد سبه إلى ربه الذي هو فاعلها، وإنما الدهر زمان جُعل ظرفاً لمواقع الأمور.) أهـ.
ومما يدل على قول الإمام الخطابي رحمه الله أنه تعالى قال في الحديث القدسي: (أقلب الليل والنهار) والليل والنهار هما الدهر، فلا يمكن أن يكون المقلب (بكسر اللام) هو المقلب بفتحها. ص 30 ـ 31.
4 ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ومن أسمائه التي ليست في التسعة والتسعين: اسمه السبوح وكذلك أسماوه المضافة مثل: أرحم الراحمين، وخير الغافرين، ورب العالمين، ومالك يوم الدين، وأحسن الخالقين، وجامع الناس ليوم لا ريب فيه، ومقلب القلوب، وغير ذلك مما ثبت في الكتاب والسنة، وثبت الدعاء بها بإجماع المسلمين. ص 36.
5 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة).
وفي شرح هذا الحديث عدة وقفات:
1 ـ جاء في بعض روايات هذا الحديث تفصيل في ذكر هذه الأسماء التسعة والتسعين كما عند الترمذي وغيره ولكن أغلب العلماء ضعفوا هذه الرواية وردوها. وإنما الرواية الصحيحة هي التي عند البخاري ومسلم، وغيرهما مما لم يذكر فيها تفصيل لهذه الأسماء.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (إن التسعة والتسعين اسماً لم يرد في تعيينها حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم وأشهر ما عند الناس فيها حديث الترمذي الذي رواه الوليد بن مسلم عن شعيب بن أبي حمزة. وحفاظ أهل الحديث يقولون: هذه الزيادة مما جمعه الوليد بن مسلم عن شيوخه من أهل الحديث.
2 ـ ليس في الرواية الصحيحة لهذا الحديث ما يدل على حصر أسماء الله عزوجل بالعدد المذكور. وفي ذلك يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى: (اتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى فليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة، فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء.
وقال الخطابي: (فجملة (من أحصاها) مكملة للجملة الأولى وليست استثنائية منفصلة، ونظير هذا قول العرب: إن لزيد ألف درهم أعدها للصدقة، وكقولك إن لعمرو مائة ثوب من زاره خلعها عليه. وهذا لا يدل على أنه ليس عنده من الدراهم أكثر من ألف درهم، ولا من الثياب أكثر من مائة ثوب، وإنما دلالته أن الذي أعده زيد من الدراهم للصدقة ألف درهم، وأن الذي أرصده عمرو من الثياب للخلع مائة ثوب).
وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى بعد نقله لكلام الخطابي:
وأيضاً فقوله: (إن لله تسعة وتسعين) تقيده بهذا العدد بمنزلة قوله تعالى: (تسعة عشر) فلما استقلوهم قال: (وما يعلم جنود ربك إلا هو)، فأن لا يعلم أسماءه إلا هو أولى.
¥