تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولكي يكون الحوار جديا ومنتجا ينبغي أن يبدأ المتحاورون من أهم الموضوعات ثم التدرج في الحوار على هذا النسق، ولا شك أن اتباع هذا الأسلوب سيجنب المتحاورين ضياع الوقت والجهد، كما يساعدهم على معالجة القضايا الكلية التي تتحكم في الفرعيات والتفاصيل الجزئية.

ويمكن استنباط هذا الأصل من حوار الأنبياء عليهم السلام مع أقوامهم، فقد بدأ الأنبياء عليهم السلام حوارهم من أهم قضية، وهي توحيد الألوهية ودعوة الناس إلى عبادة الله تعالى؛ لأنها هي الأساس لكل ما يأتي بعدها، وقد تكررت هذه الدعوة على لسان أكثر من نبي: ?اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ? [61] فقد بدأ بها نوح وهود وصالح وشعيب عليهم السلام.

كما أن إبراهيم عليه والسلام قد اتبع أسلوب التدرج والتنزل مع الخصم في حواره مع قومه لإقناعهم بالإيمان بتوحيد الله تعالى ونبذ الشرك، قال تعالى@@: ?فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي? [62]، وهذا على وجه التنزل مع الخصم والذي تقتضيه التدرج في الحوار ومعناه ربي بزعمكم، ?فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِين? [63] فقام بإبطال عبادة الكواكب، ثم تدرج على الأسلوب نفسه في إبطال عبادة القمر والشمس حتى انتهى إلى بيان الحق في وجوب عبادة الله تعالى ونبذ الشرك به كليًّا.

وفي سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتدرج الدعوة الإسلامية عبر مراحل مختلفة ومواكبة القرآن لهذا التدرج تأكيد واضح وصريح على أصل البدء بالأهم والتدرج في الحوار، ويُعد إرسال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي موسى الأشعري ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما إلى اليمن وتوصيته لهما بالتدرج في دعوة أهلها إلى الإسلام بالابتداء من أصل الأصول أي التوحيد، ثم التدرج بمطالبتهم بأداء الصلاة ثم الزكاة ثم بقية أركان الإسلام، تعد هذه التوصية النبوية نموذجا واضحا لهذا الأصل، وتفسيرا عمليا لموقف القرآن الكريم من أصل التدرج في الحوار.

7 - الكلام المبني على الحجة والبرهان:

من أهم أصول الحوار وضوابطه تحري الحجة والبرهان في الكلام، ولا قيمة لحديث أو كلام يعوزه الدليل والبرهان، ولكي يكون الحوار منتجا ومفيدا لا بد لطرفي الحوار أو أطرافه من بناء أفكارهم وآرائهم على الأدلة الواضحة والبراهين القاطعة، كما لا بد من صحة الدليل ودقة النقل، فقد قيل: "إن كنت ناقلا فالصحة، أو مدعيا فالدليل".

وعناية القرآن الكريم بالدليل والبرهان وجعله معيارا للقبول والرد في كل شيء، سواء في الأفكار والمعتقدات أو الأحكام والمبادئ، أمر واضح لا يحتاج إلى كثير بيان واستدلال.

ومن خلال نظرة سريعة إلى الآيات المباركة التي تشتمل على كلمات "البرهان" و"السلطان" و"الحجة " نجد أن القرآن يدعو دائما إلى إقامة الدليل والبرهان كأساس لقبول الأمور وردها:

قال تعالى آمرا نبيه صلى الله عليه وسلم بمطالبة الكفار بالدليل: (قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [64]، وقد تكرر ذلك في أكثر من موضع في القرآن الكريم. [65]

وقال تعالى: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي) [66] قال الإمام فخر الدين الرازي في تفسير الآية الأولى: "دلت الآية على أن المدعي سواء ادعى نفيا أو إثباتا فلا بد له من الدليل والبرهان" [67]، ونقل البقاعي قول الحرالي في تفسير الآية قائلا: "وهذا أهدم شيء لمذهب المقلدين ودليل على أن كل قول لا برهان عليه باطل" [68].

ومن يتدبر القرآن يجد بكل وضوح أن كلمات "البرهان" و" السلطان" و" الحجة" قد وردت في مواضع كثيرة منه، وتتعلق كثير من هذه الآيات المباركة بحوار النبي – صلى الله عليه وسلم - مع الكفار ومطالبته عليه السلام إياهم بأمر من الله تعالى بتقديم الأدلة والبراهين لإثبات عقائدهم وتبرير مواقفهم من القضايا المثارة للخلاف.

ويحذر القرآن الكريم المشركين من ارتكابهم الشرك بلا دليل وبرهان فيقول: (وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) [69].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير