وقد جمع الله تعالى المراتب الثلاث في آية واحدة؛ قال تعالى: (وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198) الأعراف.
هم متوجهون بنظرهم إليك كأنهم يبصرون
فحصل لك العلم بهذا التوجه أنهم يبصرون
وجاء النفي بأنهم لا يبصرون خلافًا لما حصل من العلم.
فالعلم يكون بالنظر بالعين في اليقظة، ويحصل هذا العلم من حكم الناظر على ما رأى
ويكون العلم بالنظر بالعين في المنام؛ ويسمى هذا العلم رؤيا؛ لأنه أدى علمًا.
لكن هذا العلم لم يكن من نفس النائم، وإنما جاء له من خارجه، وأعطي له من غيره؛
لذلك حذفت الواو التي تشير إلى الباطن، لأن هذا العلم لم يحصل عليه بنفسه.
وقد بينا في الجذور التي ابتدأت بحرف الواو، أن النفس يشار إليها بحرف الواو، لأنها مستبطنة في صاحبها.
فجميع ألفاظ الرؤيا جاءت بحذف حرف الواو التي هي صورة الهمزة في الرسم، لأن نفس الرائي لا دخل لها في الرؤيا التي تنبئ بما يحدث في المستقبل، ولا يعلم الغيب إلا الله تعالى؛ فهي من الله سبحانه وتعالى.
أما ما يراه النائم في المنام من غير الله تعالى؛ فهو أضغاث أحلام. ولا يسمى بالرؤيا.
حذف الواو الثانية المدية في الأسماء والأفعال
القاعدة في الرسم القرآن ألا يرسم واوان متتاليان الثاني منهما حرف مد.
وذلك أن الواو المدية حرف يتولد من ضمة الحرف الذي قبله، فيؤدي تغييرًا أو إضافة في المعنى، قال تعالى: (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ (251) البقرة
وقال تعالى: (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) الشعراء.
وقال تعالى: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) التكوير.
وقال تعالى: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا (20) الأعراف.
أو يتحول المفرد إلى جمع مذكر سالم في حالة الرفع.
قال تعالى: (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) السجدة.
وقال تعالى: (لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) الزخرف.
وقال تعالى: (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ (153) آل عمران.
وقال تعالى: (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُوونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ (78) آل عمران.
وقال تعالى: (وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135) النساء.
وقال تعالى: (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا (16) الكهف.
[ font=Simplified Arabic] ثبوت واو الجمع التي سبقها فتح
قال تعالى: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) الأنفال
وقال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) المنافقون.
واو الجمع التي سبقها فتح فأصبحت واو لين وليس مدًا، وصارت بهذا الوضع حرفًا صحيحًا بعد أن كانت حرفًا مقدرًا .. وإذا حذفت لم يبق شيء يدل عليها .. لأن ما قبله مفتوح وليس مضمومًا.
فحذف الواو في يمحُ، ويدعُ، دل عليه بقاء حرفين من الفعل مما يوجب وجود ثالث لهما، فيقدر المحذوف من آخرهما؛ أي ضمة الحاء، وضمة العين، وكان التعليل لغياب صورة الواو من الرسم.
أما آوى، ولوَّى؛ فهما فعلان ماضيان، وقد حذفت الألف المقصورة لالتقاء ساكنين، وقد انفصل الفعل عن الفاعل .. فإلغاء أحدهما بالحذف لا يدل عليه الآخر، والأفعال الماضية مبنية على الفتح، والفتحة لا علاقة لها بالواو ليدل عليها حال حذفها.
¥