وأما الموضع الثاني؛ فكان في استفهام عن شركاء شرعوا لهم دينًا، ومن يشرع شرعًا لا يشرعه لسنوات معدودة، بل ليكون دائمًا، تعمل به أجيال عديدة، ولذلك لا بد من أن يكون الشريك قادرًا على محاسبة من يخرج عن الدين، ويكافئ من عمل به، وأن يستمر معهم وليس لجيل واحد أو زمن محدود؛ لذلك كتبت (شُرَكَاؤُا) على الوصل لا الوقف، مراعاة للسؤال عن شركاء في اعتقادهم لهم صفة الاستمرار والتواصل مع الناس، وأنهم ما زالوا في الشراكة ولم يخرجوا منها. تعالى الله عما يصفون.
قال تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاؤُا شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ... (21) الشورى.
وما ذكر غير ذلك من شركاء كان في شراكة منقطعة؛ لذلك كتبت على أصل الوقف الذي يفيد السكون والانقطاع.
فمن ذلك في توزيع الإرث؛ (فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ (12) النساء، وفي اقتسام الجاهليين الميتة؛ (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ (139) الأنعام، وفي اقتسامهم الاستعباد؛ (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ (29) الزمر، وفي تحديهم بإثبات ما لا وجود له؛ (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (41) القلم.
[ font="simplified arabic"] الهمزة الخامسة: همزة بُرَءَاؤُا
قال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَاؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ (4) الممتحنة.
لم يكن قول إبراهيم عليه السلام ومن معه لقومهم؛ هو إخبار لهم بأنهم برآء؛ بل هم مستمرون على البراءة منهم، بلا انقطاع ولا تراجع؛ إلى أن يؤمنوا بالله وحده، ولذلك كتبت الكلمة على الوصل والاستمرار لا الوقف والانقطاع، وصورت الهمزة واوًا لضمتها، وأنهم داخلون في هذا الذي يفرقهم عن قومهم، ويعزلهم عنهم ولا يخرجون منه؛ وهو البراءة منهم بسبب شركهم.
الهمزة السادسة: همزة أَنْبَاؤُا (بالجمع)
ورد لفظ (أَنْبَاؤُا) المضموم الهمزة في القرآن مرتين، وقد كتبت فيهما الهمزة على الوصل والاستمرار، لا الوقف والانقطاع.
قال تعالى: (فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاؤُا مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (5) الأنعام.
وقال تعالى: (فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاؤُا مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (6) الشعراء.
لما بين الله تعالى أن هذه الأنباء في طريق وصولها إليهم؛ فكتبت الهمزة لذلك على أصل الوصل والاستمرار، لا الوقف والانقطاع، وصورت بسبب ضمها واوًا ... والأنباء التي ستأتيهم هي ما توعدهم الله عز وجل به من العذاب، وإدخالهم جنهم خالدين فيها، ولا خروج لهم منها؛ فكانت الواو التي تستعمل في الإشارة إلى الباطن والداخل، واستمرار إشارتها تلك، لأنها آخر الحروف في الكلمة؛ فكانت تصويرًا لما يؤول إليه حالهم.
ووردت الأنباء معرفة بأل التعريف، ومضمومة الآخر في موضع واحد؛ كتبت فيه على أصل الوقف والانقطاع:
قال تعالى: (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمْ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ (66) القصص
فقوله تعالى "فعميت عليهم" دالة على أن "الأنباء" لم تصلهم ومقطوعة عنهم، فكتبت الكلمة لذلك على القاعدة؛ أي على الوقف والتسكين.
ووردت "أنباء" في مواضع أخرى مجرورة، ومكتوبة على الوقف والتسكين، وليست محل بحثنا.
الهمزة السابعة: همزة نَبَؤُا (بالإفراد)
وقد كتبت على أصل الوصل؛ أي على واو، حيث هي مضمومة وما قبلها مفتوح، والضمة أقوى من الفتحة في الأمثلة التالية:
قال تعالى: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ (9) إبراهيم
قال تعالى: (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُا الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) ص
قال تعالى: (قُلْ هُوَ نَبَؤُا عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) ص
¥