وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) الروم
يبدأ الله سبحانه وتعالى في خلق الإنسان من نطفة، ولا يدعه بل يستمر في خلقه له، ليمر فيها في أطوار عديدة؛ من سلالة من طين، إلى نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظام، ثم يكسوا العظام لحمًا، ثم ينفخ فيه الروح ليكون جنينًا، ثم يخرج صبيًا، ثم طفلاً، ثم يشب إلى أن يشيخ، ومنهم من يصل إلى أرذل العمر. فالله تعالى يبدأ الخلق، ويستمر فعل الله تعالى فيه إلى أن يموت، خلايا فيه تتجدد؛ خلايا تموت وأخرى تولد، فلذلك كتبت الكلمة على الاستمرار لا على التوقف؛ لأنه لا توقف في خلق الإنسان، وأكثر التغيرات فيه هي داخلية، لتظهر عليه وتشاهد فيه، فكانت صورة الواو معبرة عن ذلك أيضًا.
ولم يذكر في القرآن غير الأمثلة السابقة.
الهمزة الثالثة: همزة يُنَشَّؤُا
قال تعالى: (أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18) الزخرف.
تربى الأنثى وتنشأ على الحلية من صغرها؛ بالحلق في أذنيها في أول أيامها، والأساور في يديها، ويهتم بشعرها ولباسها بما يميزها عن الذكور، وتبقى على هذا الحال إلى أن تصبح من القواعد في آخر عمرها. فهي تنشأ في الحلية معظم عمرها، فلذلك كتب الفعل على الوصل لا الوقف والانقطاع، ليبين مدى لزوم الحلية لها من قدميها إلى رأسها ومن صغرها إلى كبرها، والحلية تحيط إما بالإصبع أو العنق أو الساق أو الخصر أو جانبًا من الأذن؛ فكانت الواو بإشارتها إلى الباطن والداخل صورة تؤدي معنى مع ما أفادته الكتابة على الاستمرار.
الهمزة الرابعة: همزة يَعْبَؤُا
قال تعالى: (قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77) الفرقان
ما يعبأ تعالى بالناس؛ أي لا يكترث ولا يبالي بمن وقعوا في عقابه جزاء تكذيبهم وكفرهم. وحسن رسم يعبأ في النفي على الاستمرار لا الوقف والانقطاع؛ لأن ذلك أبين للنفي الدائم المستمر مع كثرة الواقعين في التكذيب، والهالكين في كل زمان، وصورة الواو تظهر مدة حاجة من وقع في مصيبته بسبب تكذيبه وكفره للخروج منها.
وعلى الرغم من عدم عبادتهم له سبحانه وتعالى وتكذيبهم له، إلا أنه إذا دعوه استجاب لهم، وذلك من رحمته سبحانه وتعالى بهم؛ لعلهم يرجعون عن كفرهم وتكذيبهم.
الهمزة الخامسة: همزة تَفْتَؤا
قال تعالى: (قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنْ الْهَالِكِينَ (85) يوسف
قولهم "تَفْتَؤا" أي لم تزل تذكر يوسف، ولم تنس ذكره، ولم تتوقف عن ذلك؛ حتى تضعف قوتك أو تهلك من حزنك عليه، لهذا الاستمرار من يعقوب في ذكر يوسف عليهما السلام، وحزنه عليه، ولهذه الديمومة في ذكره؛ كتبت الهمزة على الوصل لا الوقف والانقطاع، وصورت الواو التي تشير للباطن والداخل شدة الحزن في نفس يعقوب على يوسف عليهما السلام، إلا أن ابيضت عيناه.
الهمزة السادسة: همزة يَتَفَيَّؤا
قال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤا ظِلَالُهُ عَنْ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48) النحل.
الظلال تكون من شروق الشمس إلى الزوال، وبعدها تسمى بالفيء إلى المغيب؛ لأن الظل عاد لما نسخته الشمس في الصباح، لذلك سمي بالفيء، أما الظل فسمي بذلك لأنه استمر بعد خروج الشمس، والفعل ظل يفيد الاستمرار، والليل كل ظل؛ فلهذا الاستمرار في تفيء الظلال مرة عن اليمين ومرة عن الشمال؛ ما دامت الشمس تطلع وتغيب على الأرض كل يوم؛ كتبت الكلمة على الوصل والاستمرار، وليس على الوقف والانقطاع، وصورت الواو المشيرة للباطن والدخل وقوع الشيء بين الفيء والظلال وكل منهما يقع على جانب منه.
الهمزة السابعة: همزة يَدْرَؤُا
قال تعالى: (وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ (8) النور.
¥