تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

في الموضع الآخر (على أن تعلمنِ مما علمت رشدا) تعلمنِ بالكسر لها معنى آخر ليس موضع سرعة. لم يقل تعلمني لأنها تدل على إظهار لشخصه ولكن هو تلميذ يريد أن يتعلم فلا معنى لهذا الإظهار فبكل أدب يقول علماؤنا أدب المتعلم مع معلّمه كيف يكون فيه نوع من التواضع (تعلمنِ مما علمت) يعني أنا صغير. أما المعلِّم فقال (إنك لن تستطيع معيَ صبرا) وبعد ذلك قال (ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمرا) لأنه في موطن المعاهدة فأظهر إسمه (ستجدني، أعصي) هنا موطن معاهدة هذا شخصي كاملاً أعاهدك على هذا. هذا في الدرس الصوتي كيف توظيف الأصوات من إطناب، إيجاز، إطالة، إختلاس الصوت، مدّ الصوت، لذلك هذه المدود التي يتكلم عنها علماء التجويد مدّ حركتين أو أربعة أو ست لها دخل بإيحاء المعنى. صوت المعنى يكون نوع من الظلال للمعنى والإيحاء للفظ، المعنى اللفظي معلوم لكن يكون هناك إيحاء وظلال للفظ. (نبغِ فارتدا) على سرعة.

(على آثارهما قصصا) يقصّان الأثر يتتبعانه حتى لا يضيعا، هذا أثرنا. هما رجعا إلى الصخرة فوجدا الرجل. لم يذكر القرآن من أين جاء الرجل؟ أهو نبي مرسل؟ ملك؟ ما ذكر لنا شيئاً.

(فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلّمناه من لدنا علما): في الحديث الشريف أن اسمه الخِضْر. سنقف عند كلمة عبد، عباد، عندنا، لدنا كلها فيها لمسات:

كلمة عبد في اللغة تعني إنساناً سواء كان مملوكاً أو حُرّاً. فلما يقول في القرآن (فوجدا عبداً) أي وجدا هذا الإنسان لكن فيه إيحاء عبوديته لله سبحانه وتعالى. ما قال بشراً أو إنساناً لأنه يريد أن يربطه بالعبودية لله تعالى والعبودية لله عز وجل هي أسمى المراتب للبشر كما قال تعالى في سورة الإسراء (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً) في أروع المواطن سمّاه عبداً. كلمة عبد أنا رجعت إلى التاج (تاج العروس في جواهر القاموس) لتاج الدين الزبيدي، وجدت عجباً في جموع كلمة عبد أوصلها بعضهم إلى أكثر من عشرين جمعاً ونظمها أكثر من واحد تراجع في تاج العروس. من جملة جموع عبد: عبيد وعباد. كان يمكن أن يقول عبيدنا لكن جرى إستعمال الناس أن كلمة عبيد في جمع العبد المملوك الذي يُباع ويُشترى. والله سبحانه وتعالى يريد أن يُكرم هذا الإنسان فاستخدم له كلمة عباد (عبادنا). العباد يستعمله عموم الناس هو جمع عبد وحتى مجموعة المماليك تسمى عباداً وهذا يعطينا إهتمام القرآن الكريم لإستعمال الناس. كلها في الأصل جمع لكلمة عبد الذي هو إنسان ويمكن أن يكون مملوكاً. الناس تستمعل كلمة عبيد للمملوكين وعباد لعباد الله. عباد من الدرس الصوتي فيها ِعزة وشموخ والياء في عبيد فيها إنكسار وخضوع وهبوط. كان العرب يدركون هذا ولذا وقفوا عاجزين أمام القرآن الكريم، وكانوا يدركون ذلك ويتلمسون ويتحسسون الدرس الصوتي لأن هذه لغتهم. قد يكون هناك أفراد يغيب عنه ذلك لكن جمهور العرب كان يفهم ذلك. في مواطن كثيرة تغير حرف عن حرف لكن المعنى العام يكون واحداً لكن تجد فوارق. انظر الفرق بين: صرع وزرع كلاهما له صلة بالأرض. إختلف الحرف الأول الصاد والزاي. ننظر الصوت الذي تحدثه الصاد كأن فيه إنبساط والصوت الذي تحدثه الزاي تشير إلى كأنه الثقب في الأرض. هذا ليس عبثاً ولا يقال العربية شأنها شأن سائر اللغات ولا يقال العربية لغة إعتباطية لكن لا يجوز أن يَصُمّ الإنسان أذنيه عن مثل هذه الأمور.

(عبداً من عبادنا) إكراماً له أنه من عبادنا. (آتيناه) الإيتاء غير الإعطاء لأن فيها رفق وتلطف ولين.

(آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما)) كلمة عند ولدن لما نأتي إلى المعجمات يقولون معناهما متقارب لكن هناك فرق دقيق في اللغة: لدن أقرب من عند. قد تستعمل (عند) للشيء البعيد: يقال عندي مال والمال يسرح في البرية، لكن لا تقول: لدني إبل وإنما تقول عندي إبل. لدُنّي أقرب من عند وفيها قرب مكاني. مع الله تعالى فهو سبحانه يُنزّه في مسألة المكان لكن صورة القرب. قرب (عند) غير قرب (لدن) لذلك قال موسى ? (قد بلغت من لدني عذرا) أي من أعماقي. لم يقل من عندي لأن لدن أقرب. (رحمة من عندنا) الرحمة واسعة ممدودة فاستعمل لها (عند). الغيب خاص بالله سبحانه وتعالى (من لدنا علما) لأنه علم الغيب والغيب لدنه سبحانه وتعالى. الغيب لدنه ولا يقال عنده. في غير القرآن يمكن أن نقول (من عندنا علما) لكن كلمات القرآن الكريم غير. أما الرحمة شاملة واسعة ولو عكس لا يستقيم المعنى لأن الرحمة ليست خاصة بالخِضْر وإنما هي عامة: موسى يدخل فيها وغيره من البشر يدخل فيها. أما علم الغيب فخاصٌ بالخِضْر أوحاه الله سبحانه وتعالى إليه وهو علّمه سبحانه وتعالى ولم يكن علمه.

ـ[يوسف العليوي]ــــــــ[18 Nov 2008, 12:21 ص]ـ

شكر الله لك اهتمامك ونفع بك

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير