تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

" (مَعَ) فِي اللُّغَةِ إذَا أُطْلِقَتْ فَلَيْسَ ظَاهِرُهَا إلا الْمُقَارَنَةَ الْمُطْلَقَةَ، مِنْ غَيْرِ وُجُوبِ مُمَاسَّةٍ أَوْ مُحَاذَاةٍ عَنْ يَمِينٍ أَوْ شِمَالٍ، فَإِذَا قُيِّدَتْ بِمَعْنَى مِنْ الْمَعَانِي دَلَّتْ عَلَى الْمُقَارَنَةِ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى، فَإِنَّهُ يُقَالُ: مَا زِلْنَا نَسِيرُ وَالْقَمَرُ أَوْ وَالنَّجْمُ مَعَنَا، وهَذَا الْمَتَاعُ مَعِي لِمُجَامَعَتِهِ معك في البيت وَإِنْ كَانَ فَوْقَ رَأْسِك، وَقَدْ يَدْخُلُ عَلَى صَبِيٍّ مَنْ يُخِيفُهُ فَيَبْكِي فَيُشْرِفُ عَلَيْهِ أَبُوهُ مِنْ فَوْقِ السَّقْفِ فَيَقُولُ: لَا تَخَفْ؛ أَنَا مَعَك أَوْ أَنَا هُنَا؛ أَوْ أَنَا حَاضِرٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ يُنَبِّهُهُ عَلَى الْمَعِيَّةِ الْمُوجِبَةِ بِحُكْمِ الْحَالِ دَفْعَ الْمَكْرُوهِ.

ثُمَّ هَذِهِ الْمَعِيَّةُ تَخْتَلِفُ أَحْكَامُهَا بِحَسَبِ الْمَوَارِدِ فَلَمَّا قَالَ: " وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ والله بما تعملون بصير "؛ دَلَّ ظَاهِرُ الْخِطَابِ عَلَى أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْمَعِيَّةِ وَمُقْتَضَاهَا أَنَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَيْكُمْ عَالِمٌ بِكُمْ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ السَّلَفِ: إنَّهُ مَعَهُمْ بِعِلْمِهِ.

وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: " مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ " الآية، وَلَمَّا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَاحِبِهِ فِي الْغَارِ: " لَا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنَا " كَانَ هَذَا أَيْضًا حَقًّا عَلَى ظَاهِرِهِ وَدَلَّتْ الْحَالُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْمَعِيَّةِ هُنَا مَعِيَّةُ الِاطِّلَاعِ وَالنَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ.

وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: ? إنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ?، وَقَوْلُهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ: " إنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ". هُنَا الْمَعِيَّةُ عَلَى ظَاهِرِهَا وَحُكْمُهَا فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ النَّصْرُ وَالتَّأْيِيدُ.

فَلَفْظُ " الْمَعِيَّةِ " قَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي مَوَاضِعَ يَقْتَضِي فِي كُلِّ مَوْضِعٍ أُمُورًا لَا يَقْتَضِيهَا فِي الْمَوْضِعِ الْآخَرِ، فَإِمَّا أَنْ تَخْتَلِفَ دَلَالَتُهَا بِحَسَبِ الْمَوَاضِعِ أَوْ تَدُلَّ عَلَى قَدْرٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ جَمِيعِ مَوَارِدِهَا وَإِنْ امْتَازَ كُلُّ مَوْضِعٍ بِخَاصِّيَّةٍ، فَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَيْسَ مُقْتَضَاهَا أَنْ تَكُونَ ذَاتُ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ مُخْتَلِطَةً بِالْخَلْقِ حَتَّى يُقَالَ قَدْ صُرِفَتْ عَنْ ظَاهِرِهَا.

وَنَظِيرُهَا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ " الرُّبُوبِيَّةُ وَالْتعبيد " فَلَمَّا قَالَ: {بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} {رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} كَانَتْ رُبُوبِيَّةُ مُوسَى وَهَارُونَ لَهَا اخْتِصَاصٌ زَائِدٌ عَلَى الرُّبُوبِيَّةِ الْعَامَّةِ لِلْخَلْقِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا " وَ " سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا "؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ تَارَةً يَعْنِي بِهِ الْمُعبَّدَ فَيَعُمُّ الْخَلْقَ، وَتَارَةً يَعْنِي بِهِ الْعَابِدَ فَيَخُصُّ، ثُمَّ يَخْتَلِفُونَ فَمَنْ كَانَ أَعْبَدَ عِلْمًا وَحَالًا كَانَتْ عُبُودِيَّتُهُ أَكْمَلَ فَمِنْ التَّكَلُّفِ أَنْ يَجْعَلَ ظَاهِرَ اللَّفْظِ شَيْئًا مُحَالًا لَا يَفْهَمُهُ النَّاسُ مِنْهُ ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يَتَأَوَّلَهُ ". اهـ كلامه بلفظه.

الرسائل الكبرى ص466 – 467 (طبعة دار إحياء التراث العربي)، وفي «الفتوى الحموية الكبرى» ص523 - 524 من طبعة حمد التويجري، وفي «مجموع الفتاوى» (5/ 103 - 105).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير