ولمن أراد المزيد من التوضيح بالأمثلة فعليه أن يرجع إلى ما كتبته في هذا المنتدى المبارك: " الخلاف عند علماء التجويد والقراءات ".
أما اعتراض الشيخ على مصحف المدينة النبوية الذي ضبط على رواية ورش عن نافع فأقول:
هل يشترط في المصحف أن يكون مضبوطاً على وفق أحد الطرق الثابتة لرواية ما؟ وما هو الدليل على وجوب ذلك؟ فيلزم من ذلك تعدد الطبعات على نحو تعدّد الطرق، فيُطبع مصحف برواية ورش بقصر البدل وفتح الذوات من طريق التذكرة لابن غلبون، ثمّ بالتوسط مع التقليل من التيسير ثمّ الطول من التبصرة وهكذا، وهذا قد يترتّب عليه بعض المفاسد منها التباس ذلك على العوام لكثرة المصاحف المختلفة ضبطاً في الرواية الواحدة، ومخالفة هدي الصحابة عليهم رضوان الله تعالى حيث جرّدوا المصحف من النقط والشكل ليحتمل الكثير من الأوجه. فإن فعله الصحابة مع مصحف يحتمل عدّة قراءات فكيف بمن يريد تضييق المجال إلى مستوى الطريق الذي يندرج تحت طرق أخرى؟
فالأولى أن لا يُقتصر على طريق من الطرق، بل لا بدّ أن يكون المصحف شاملاً لجميع الطرق إن أمكن ذلك حتّى يتسنّى للجميع أن يقرأ القرءان برواية وأن اختلفت الطرق، فإن كان القارئ من عوام الناس فلا حرج إن خلط بين الطرق وإن كان من خواصّ الناس فيمكنه التفريق والتمييز بين الطرق عند القراءة.
وإن وُجد خلاف جليّ بين طريقين بحيث لا يمكن الجمع بينهما في ضبط واحد، وجب التفريق بأن يُضبط كلّ مصحف على حدة إذا كانت الحاجة ماسّة إلى طبع مصحفين كلّ بضبط مناسب لطريقه , إذ لا يُمكن مثلاً الجمع بين طريق الأزرق وطريق الأصبهاني في مصحف واحد لتباين الخلاف.
ومما ينبغي التنبيه عليه أنّ طباعة المصحف موجهة لعوام الناس ليتسنّى لكلّ واحد قراءة القرءان بيسر ومن غير كلفة ومشقة إذ ليسوا مكلّفين بمعرفة الأوجه والطرق، لقوله تعالى {ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مدّكر}، ولو كثرت المصاحف بمختلف الطرق لالتبس ذلك على العوام ولترتّب على ذلك الشك والخلاف والفرقة، وهذا الذي حمل عثمان رضي الله عنه على ما فعل وهذا الذي ينبغي فعله اقتداءً بسنته الخليفة الراشد وهو الجمع وعدم التفريق واحتمال المصحف على عدّة أوجه تيسيراً لعامّة الناس.
ولقد تعجّبت من صنيع الشيخ الحسن محمد من اقتصاره على طريق ابن النفيس مع أنّه خارج عن طرق الداني وطريق الإمام الشاطبي عليه رحمة الله تعالى فإنّ طرق رواية ورش عن نافع من الشاطبية كما في النشر هي كالتالي:
- طريق أحمد بن أسامة من طريقي الشاطبية والتيسير. قال الداني قرأت بها القرآن كله على أبي القاسم خلف بن إبراهيم بن محمد بن خاقان المقري بمصر وقرأ على أبي جعفر أحمد بن أسامة بن أحمد التجيبي.
- طريق الخياط عن النحاس قرأ بها الشاطبي على النفزي على ابن غلام الفرس على أبي داود على أبي جعفر أحمد بن إسحاق بن إبراهيم الخياط.
- طريق ابن أبي الرجاء عن النحاس قرأ بها أبو عمرو الداني على خلف بن إبراهيم وقرأ على أبي بكر أحمد بن محمد بن أبي الرجاء المصري.
- طريق الخولاني عن النحاس من طرق الداني قرأ بها على أبي الفتح فارس بن أحمد ومن كتابي التجريد وتلخيص العبارات قرأ بها ابن الفحام وابن بليمة على أبي الحسن عبد الباقي بن فارس
- طريق ابن سيف عن الأزرق من طريق أبي عدي عن طاهر من طريقي الداني والتذكرة قرأ بها الداني على أبي الحسن طاهر بن عبد المنعم بن غلبون.
- طريق ابن مروان وهي الثانية عن ابن سيف منطريقي الإرشاد لأبي الطيب عبد المنعم ابن غلبون والتذكرة لطاهر بن عبد المنعم بن غلبون: وهذا طريق متابع للذي قبله (انظر المفردات للداني).
أمّا طريق ابن النفيس فمن ثلاث طرق الكافي لابن شريح والتلخيص لابن بيلمة والتجريد لابن الفحام قرأ بها ثلاثتهم على أبي العباس أحمد بن سعيد ابن نفيس. فما علاقة هذا الطريق بطرق الداني والإمام الشاطبي وحتّى إن كان له علاقة بالمتابعة فلماذا الاقتصار عليه؟ أرجو التوضيح لعله سوء فهم مني.
ومما ينبغي بيانه أنّ الشاطبية مصدرٌ مستقلّ عن كتاب التيسير لعدّة أسباب:
أوّلاًً: لأنّها زادت على ما في التيسير بما رواه الداني زيادة على ما في التيسير.
¥