تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أكتب مرة أخرى باختصار حول الموضوع استجابة لرغبة الإخوة الدكتور سليمان، والأستاذين: عبد الحكيم، ومحمد الأمين , وفقهم الله لما يحبه ويرضاه، وليس لدي الآن من الوقت ما يسمح لإفراغ الوسع في الإجابة عن كل الأسئلة ومناقشة كل ما له صلة بالقضية التي يدور حولها النقاش، وهي قضية علم الأصوات اللغوية، وأرجو أن يتيسر لي في المستقبل من الوقت والقدرة ما أتمكن معه من توفية الموضوع حقه من جوانبه كافة، أو أن يتصدى له غيري ممن يحسن العبارة عنه فيتحقق على يديه ما عجزت عنه، وسأتطرق الآن إلى أربع مسائل أساسية، هي:

(1) مدى أصالة علم الأصوات في تراثنا اللغوي.

(2) المبادئ العشرة لعلم الأصوات.

(3) أخطاء المشتغلين في علم الأصوات تحسب عليهم لا على العلم ذاته.

(4) هل: علم الأصوات لأهل القرآن علم يضر، والجهل به ينفع.

أولاً: مدى أصالة علم الأصوات في تراثنا اللغوي

قال الدكتور سليمان وفقه الله: " لا أعرف في علوم العربية الاثني عشر المعروفة عند سلف هذه الأمة من القراء وعلماء العربية علماً اسمه علم الأصوات، وإنما أعرف فيها فقه اللغة الذي من مباحثه الكبرى وأبوابه المهمة دراسة أصوات العربية ... إلخ".

ولي على هذا القول ثلاث ملاحظات:

الملاحظة الأولى: لا يلزم من عدم معرفة هذا العلم في سابق الزمان أن لا يكون لعلم الأصوات مكانته بين علوم العربية اليوم، لاسيما أن جميع علوم العربية المشار إليها حادثة في الملة بعد الإسلام، ثم إن عدد هذه العلوم موضع خلاف بين علماء السلف فمنهم من يصل بها إلى خمسة عشر، ومنهم من ينزل بها إلى أربعة، بحسب اجتهاد كل عالم.

الملاحظة الثانية: هي أن ما يعرف بفقه اللغة ليس مصطلحاً لعلم من علوم العربية، وهو ليس من علومها الاثني عشر ولا الخمسة عشر، وحين استخدمه كل من ابن فارس وأبو منصور الثعالبي في عنواني كتابيهما فإنما كانا يقصدان به المعنى اللغوي لا الاصطلاحي، واستعمله المحدثون من دارسي علوم اللغة العربية في مقابل المصطلح الغربي (الفيلولوجيا)، وظهر نقاش بعد ذلك عن أيهما أولى في الاستعمال مصطلح فقه اللغة أو مصطلح علم اللغة، وانعكس ذلك على عناوين الكتب التي تعنى بالبحث اللغوي العربي في العصر الحديث، ويبدو أن الغلبة تحققت للمصطلح الثاني في بلدان المشرق العربي، وغلب استعمال مصطلح اللسانيات في المغرب العربي، واختص فقه اللغة بالدراسة المقارنة للغة.

ومن ثم فإن مصطلح فقه اللغة ليس بديلاً لعلم الأصوات اللغوية لا في القديم ولا في الحديث.

الملاحظة الثالثة: إن أصالة علم الأصوات في تراثنا اللغوي مصطلحاً ومضموناً أمر ثابت وأكيد، وإن لم يكن مشهوراً، ولعل من يبحث عن الحق ويطلب الحقيقة سيجد في النصوص الآتية ما يكفي في إثبات أرومة هذا العلم العربية.

أما أصالة علم الأصوات مضموناً فمع التطور الكبير الذي حصل في علم الأصوات في زماننا في أهم فرع من فروع علم الأصوات، وهو علم الأصوات النطقي، فلا تزال أهم موضوعات هذا العلم: دراسة مخارج الحروف وصفاتها، وما ينشأ لها في التركيب من أحكام، وهذه هي موضوعات علم التجويد والمباحث الصوتية لدى علماء العربية.

وأما أصالة هذا العلم مصطلحاً فإن من المتقدمين من علماء العربية وعلماء التجويد من سمَّاه (علم الأصوات)، أو علم المخارج والصفات، أو ما في معنى ذلك، وإن لم تشتهر هذه التسميات. وإليكم بعض النصوص الدالة على ذلك:

قال أبو الفتح ابن جني (ت392هـ) في كتابه سر صناعة الإعراب (1/ 10) وهو يتحدث عن المشابهة بين أصوات اللغة والأصوات الخارجة من بعض الآلات الموسيقية:" وإنما أردنا بهذا التمثيل الإصابة والتقريب، وإن لم يكن هذا الفن مما لنا ولا لهذا الكتاب به تعلق، ولكن هذا القبيل من هذا العلم، أعني علم الأصوات والحروف، له تعلق ومشاركة للموسيقى، لما فيه من صنعة الأصوات والنغم ".

وقال مكي بن أبي طالب القيسي (ت437هـ)، صاحب أول مؤلف جامع في علم التجويد: " ... قَوِيَتْ نِيَّتِي في تأليف هذا الكتاب وجمعه في تفسير الحروف ومخارجها وصفاتها وألقابها ... وسَمَّيْتُ ما ألَّفْتُ من ذلك بكتاب: الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة بعلم مراتب الحروف ومخارجها وصفاتها وألقابها"، (الرعاية ص51 - 53).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير