تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وغلب استعمال مصطلح (التجويد) على مباحث هذا العلم، بدلاً من علم الأصوات والحروف، أو علم الخارج والصفات، وصار أحد علوم القراءة، وإن لم تنقطع صلته بعلوم العربية، وقد عده بعض المتأخرين من علم الصرف، فقال المرعشي (ت1150هـ) في كتابه (جهد المقل ص 109): " قيل: موضوعه الكلمات القرآنية، يعني حروفها، وفيه نظر، لأنه يُبْحَثُ فيه عن أحوال الحروف أينما وقعت، فلعله من علوم العربية، وداخل في التصريف، لذا جُعِلَ جزءاً من بعض كتبه كالشافية، ولمَّا أفرده العلماء عن كتب التصريف لمعرفة أحوال حروف القرآن لا يبعد أن يصطلحوا على أنها موضوعه".

ثانياً: المبادئ العشرة لعلم الأصوات

تساءل الدكتور سليمان وفقه الله عن المبادئ العشرة لعلم الأصوات وكأن تحققها شرط لتحقق العلم، وكأنها جواز المرور إلى شرعية هذا العلم، وإذا لم تكن مبادئ علم التجويد هي مبادئ علم الأصوات فإنه ليس من الصعوبة تصور تلك المبادئ، ووجدت المولى عصام الدين الملقب طاش كبري زاده (ت968هـ) قد جعل مبادئ العلمين واحدة، فقد ذكر علم مخارج الحروف وتحدث فيه عن علم التجويد، وأنقل نص كلامه لما في من الفوائد في الموضوع الذي أتحدث عنه، وفوائد أخرى تكشف عن تقدم أولئك العلماء على الباحثين في عصرنا في تصورهم لعلاقة علم التجويد بالعلوم الأخرى.

قال في كتابه مفتاح السعادة (1/ 99): " علم مخارج الحروف، وهو معرفة تصحيح مخارج الحروف: كيفية وكمية، وصفاتها العارضة لها، بحسب طباع العرب، وإنما قلنا طباع العرب لشرفها، وشدة اهتمامنا بضبط علومهم.

فموضوعه: بسائط الحروف العربية بحسب مخارجها وصفاتها.

ومبادئه: بعضها بديهي، وبعضها استقرائي، ويستمد من العلم الطبيعي، وعلم التشريح.

وغرضه: تحصيل ملكة إيراد تلك الحروف في المخارج، على ما هي عليه في لسان العرب.

وغايته الأولية: الاحتراز عن الخطأ في تلفظ كلام العرب، بحسب مخارج حروفه.

وغايته الأخيرة:القدرة على قراءة القرآن كما أنزل، بحسب مخارج حروفها وصفاتها.

واعلم: أن الحروف تختلف باختلاف اللغات بحسب تعدد مخارجها ... ومن الكتب المختصرة المصنفة في علم المخارج: (الأرجوزة المسماة بالمقدمة) للشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن محمد الجزري، رحمة الله عليه، وعليها شرح لولد المصنف، رحمه الله، وكتبتُ عليها شرحاً جامعاً للفوائد، خالياً من الزوائد، في زمن الشباب، وانتفع بذلك جماعة من الأصحاب".

وكلام المولى عصام الدين في غاية الوضوح والأهمية من نواح عدة، منها:

(1) إطلاقه مصطلح علم المخارج والصفات على علم التجويد وعدهما علماً واحداً، وذكر المقدمة الجزرية، وهي أشهر منظومات علم التجويد مثالاً لكتب علم المخارج والصفات.

(2) إشارته إلى علاقة علم المخارج والصفات بالعلوم الأخرى، وقوله: (ويستمد من العلم الطبيعي، وعلم التشريح)، وفسر العلم الطبيعي بقوله (مفتاح السعادة 1/ 301): " وهو علم باحث عن أحوال الأجسام الطبيعية بأنواعها". وذكر أن علم التشريح من فروع علم الطب، وقال عنه (1/ 323): " وهو علم باحث عن كيفية أجزاء البدن وتركيبها، من العروق والأعصاب، والغضاريف، والعظام، وغير ذلك من أحوال كل عضو .. ".

ألا يكفي هذا للقول بأصالة علم الأصوات مصطلحاً وموضوعاً، بل ومنهجاً أيضاً، فإن علم الأصوات اليوم يعتمد في جانب منه على فيزياء الصوت، وهو ما سماه المولى عصام الدين بالعلم الطبيعي، كما يعتمد على علم التشريح في الكشف على أعضاء آلة النطق وكيفية عملها.

وبعد، فليس من الموضوعية، ولا من العدل ولإنصاف، نسبة علم الأصوات نشأة وموضوعاً إلى غير علماء السلف، وإذا تقدم المحدثون في دراسة هذا العلم فإنه لا يعني أنه من وضعهم، ولا ينبغي أن نقطع الصلة بين علم أصوات العربية والتجويد، كما ينبغي عدم قطع صلتهما بماضي تراثنا العلمي، الذي ينبغي أن نحرص على إحيائه والبناء عليه.

ثالثاً: أخطاء المشتغلين في علم الأصوات تحسب عليهم

علينا أن نفرق بين حقائق العلم، وأخطاء المنتسبين إليه، فإذا أخطأ كاتب هذه السطور في مسألة فينبغي عدم الحكم على العلم كله على أساس هذا الخطأ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير