تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعلى الدارسين اليوم أن يبحثوا في تفسير هذا الاختلاف، وقد تتباين وجهات النظر، بسبب اختلاف طبيعة البشر في الفهم والإدراك، فسيبويه مثلاً وصف القاف بأنه مجهور، واليوم هو مهموس في قراءة مجيدي القراءة، وإذا قدرنا أن مفهوم سيبويه للمجهور هو مفهوم المحدثين له، وإن لم يكن قد عرف دور الوترين لكنه أحس بأثرهما الصوتي، فإنه مطلوب من الباحثين تفسير هذا التباين في وصف القاف، وقد تتعدد وجهات النظر حوله، وليس في ذلك بأس، وكنتُ قد ناقشت هذا الأمر من قبل، ولكني لم يترجح عندي أيُّ من الاحتمالات الواردة حوله، ومن ثم قلتُ: إن الوسائل المتاحة لي لا تمكنني من ترجيح تفسير حول الموضوع، وقد اتخذتم من هذه المسألة مثالاً للقصور والاضطراب، وليس ثم قصور ولا اضطراب.

(4) ذكرتم أني يبدو على كتاباتي التأثر بما عليه علماء الأصوات في تناول بعض الظواهر، وأن منهجي لا يخلو من تناقض واضطراب وقصور ...

ووجدت أنكم تنظرون إلى الموضوع من زاوية ضيقة تتلخص في وجوب التقيد بكل ما قاله علماء السلف في وصف الأصوات، وأن من خالفهم في شيء من ذلك فقد خطأهم، فإذا قال أهل الأصوات إن القاف والطاء مهموسان فهذا القول عندكم فيه تخطئة للقراء، وليس الأمر كذلك في نظري، فدارسو الأصوات من المحدثين وجدوا مسائل تحتاج إلى تفسير واجتهدوا في تفسيرها، في ضوء ما توفر لهم من حقائق وقد يكونون مصيبين وقد يكونون مخطئين، شأنهم شأن غيرهم من الباحثين.

ولا يخفى عليكم وجود فرق بين ما هو من قبيل الرواية، وبين ما هو من قبيل الدراية، فالأول ليس فيه مجال للاجتهاد، والثاني فيه مجال للاجتهاد واختلاف وجهات النظر، فإذا قرأنا مثلاً قوله تعالى: چٹ ٹ ٹ چ، فلن نختلف في القراءة، ولكن إذا وصفنا صوت القاف والطاء، فإنكم ستقولون إنهما مجهوران، وسيقول غيركم إنهما مهموسان، وإن لم يختلف الفريقان في قراءة الآية. وهكذا في أكثر المسائل التي أشرتم إليها، والبحث والتمحيص هو الذي يرجح أحد القولين، ولا داعي للقول إن من أخذ بأحد المذهبين قد خَطَّأ القراء، أو انتقص من العلماء.

(5) لا يخفى أني قد أفدت في دارستي لبعض المسائل بما ثبت من حقائق في الدرس الصوتي الحديث، ولا أجد غضاضة في ذلك، وإن كان بعض ذلك قد ثبت أولاً على يد الغربيين، لأن الحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أولى بها، ويجب أن نفرق بين حقائق هذا العلم وما أشبهه من العلوم التطبيقية، وبين عقيدة من يشتغل بها، لأن ما يعتقده المشتغلون بها لا ينعكس في أغلب الأحيان على ما يكتبون.

وإني على قناعة بصحة هذا المنهج، الذي سار فيه كثير من الباحثين ذوي الغيرة على هذا الدين، وقد حققوا نتائج مهمة في دراسة قضايا النطق العربي، وقد وجدتُ في هذا المنهج ما يساعد في تجديد الدرس الصوتي العربي، بشقيه: علم الأصوات في أقسام اللغة العربية، وعلم التجويد في أقسام العلوم الشرعية،لأنه سوف يحل كثيراً من إشكالاته، وييسر على المتعلمين تناوله وفهم قضاياه، وسرت مع هذا المنهج خطوات، بقدر ما أتيح لي من وسائل، وتعززت قناعتي بجدواه بعد أن كتبت قديماً أكثر من ألف صفحة في عدة كتب وأبحاث، وكتبت حديثاً ألف صفحة أخرى في شرح المقدمة الجزرية وما حولها أو يتصل بها، في ظل المنهج ذاته، وقد حظي هذا العمل بتأييد وتسديد كبار علماء الأصوات والقراءات في وقتنا، والحمد لله، وإن كنت لا أدعي الكمال في ما كتبت، أو العصمة في ما أخذت به أو ذهبت إليه، ولكني اجتهدت في ما علمت، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، تقبل الله منا ومنكم، وغفر لنا ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.

وختاماً أدعو إخواني المشتغلين بعلم التجويد وإقراء القرآن إلى الإقبال على دراسة علم الأصوات ليكتشفوا بأنفسهم ما يمكن أن يقدمه هذا العلم من فائدة في تيسير تعليم التلاوة وفهم المسائل المتعلقة بها، ولا يلزم أن يجدوا فيه تفسيراً لجميع المسائل المعلقة، فقد تقصر وسائلنا (بالواو وليس بالراء) عن تفسير بعض الظواهر، لكن ذلك لا يغض من قيمة ما حققه علم الأصوات اللغوية من كشف لحقائق الصوت الإنساني، وما يمكن أن يتحقق من ذلك في المستقبل، وإذا كُسِرَتِ الحواجز وأُزِيلَتِ الحُجُب بين علم الأصوات اللغوية والمشتغلين بعلم التجويد فإن الدرس

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير