وأسألك سؤالا صريحا واضحا وأريد جوابا بنفس وضوح السؤال:
لماذا ذكر د/ غانم في مسألة الطاء أن قبيلة يمنية تنطقها نطقا صحيحا كما وصفه علماء اللغة قديما؟
إذا كان من قبيل النظري .. لماذا أدخل بلدة بعينها؟
والجواب علي هذا السؤال صعب؛ لأنه إما يهدم ما ذكرتَه، أو يخالف ما هو واقع عند أهل الأصوات.!!
ولعلنا نتفق على أنّ وَصْفَ القدماء وتحليلاتهم لطبيعة الصوت اللغوي، وكيفية إنتاجه وتنوعه ... ليستْ وحيًا مُنَزَّلاً يجب التَّسليم له!
كلام عجيب!!!
ولعل مسألة الضاد خير مثال على كلامنا، فقد لاحظ علماءُ الأصوات أَنَّ نُطْقَ جمهور القراء اليومَ لا يتطابق مع وصف سيبويه وغيره من علماء العربية والتجويد للضاد،
الشيخ عبد الحكيم عبد اللطيف ـ حفظه الله ـ قال لي قولا سهلا: إن وصف الخليل بأن الضاد شجرية يوافق الضاد المنطوقة الآن.) ا. هـ
فلما بحثت عند أهل الأصوات وجدت د. مصطفي التوني يقول هذا القول: إن وصف الخليل يؤكد الضاد الحالية. والأمر أصبح منتهيا شيخنا الكريم. لأن وصف سيبويه ليس موجودا عندنا ولا عند أهل الأصوات ـ علي حدّ قولكم ـ.
حتي أهل الأصوات يخالفون تعريف سيبويه خذ هذه الفقرة اقرأها جيدا ووجّها لنا شيخنا الكريم:
د. عامر فائل بلحاف
دراسات في المهرية
(صوت الضاد ... المخرج)
يحلو للكثير من الدارسين إطلاق تسمية لغة (الضاد) على العربيه.
ولهذا الصوت مخرج (أي المكان الذي يخرج منه عند النطق به) وصفه القدماء من علماء اللغه. واحتار في تفسيره المحدثون
وسنحاول في هذه الحلقه دراسة مخرج هذا الصوت بين العربيه والمهريه.
يذكر الخليل بن احمد الفراهيدي في معجمه (العين) مخرج الضاد بقوله:
(واما في المخرج: فإن الجيم والضاد والشين شجريه , لخروجها من شجر الفم , وهو مفرجه)
ويتابع سيبويه الخليل فيما ذكر , حين يقول: (ومن بين اول حافة اللسان , ومايليها من الاضراس مخرج الضاد) ويفصّل حديثه عن هذا المخرج بعد ذلك بقوله: (إلا ان الضاد الضعيفه تتكلف من الجانب الايمن , وإن شئت تكلفتها من الجانب الايسر , وهو أخف , لانها من حافة اللسان مطبقة , لانك جمعت في الضاد تكلف الإطباق مع إزالته عن موضعه.
وإنما جاز هذا فيها لانك تحولها من اليسار الى الموضع الذي فيه اليمين وهي أخف , لانها من حافة اللسان , وانها تخالط مخرج غيرها بعد خروجها , فتستطيل حين تخالط حروف اللسان , فسهل تحويلها إلى الايسر , لانها تصير في حافة اللسان في الايسر إلى مثل ما كانت في الايمن .. )
ووصف سيبويه الاخير هذا المخرج الضاد , يبدو فيه من الدقه والتحديد الشي الكثير , فهو يقدم وصفاً واضحاً لطريقة خرووج الصوت , غير ان وصفه للمخرج هذا , يخالف الضاد التي ننطقها نحن اليوم , كما تخالف ماذكره علماء الاصوات المحدثون , الذين وصفو الضاد بأنها: اسنانيه لثويه.
وماذكره سيبويه ينسحب على غيره من العلماء القدامى , فابن جني في كتابه (سر صناعة الاعراب) ينقل ماذكره سيبوية تماماً , حين يقول: (ومن أول حافة اللسان ومايليها من الاضراس: مخرج الضاد , إلا إنك إن شئت تكلفتها من الجانب الأيمن , وإن شئت من الأيسر)
إذاً فمخرج الضاد عند القدماء: طرف اللسان ومايليه من الأضراس , وهو وصف يخالفهم فيه المحدثون.
إذ يرى المحدثون ومنهم الدكتور / كمال بشر – أنّ مخرج الضاد: أسناني لثوي , وهي تخرج من نفس المخرج الذي تخرج منه أصوات: التاء , والدال , والطاء , واللام , والنون , ثم يذكر أن هذا المخرج يلتقي مع المخرج اللثوي , الذي تخرج منه اصوات: الراء , والزاي , والسين , والصاد , لدرجة يصعب معها التفريق بينهما.
ويهمنا هنا ما ناقش به الدكتور / كمال بشر ابن جني في مخرج الضاد ومكانها , حيث قال بعد وصف طويل: (ويبدو ان ابن جني ركز نظره على التقاء طرف اللسان بالاسنان , واهمل التقاء الذي نتج عنه الاحتكاك الذي يعد خاصة مهمة من خواص هذه الاصوات الثلاثه). وقصد بالاصوات الثلاثه: الزاي والسين والصاد.
ويرى الكاتب – مع إجلاله للعالم الكبير الدكتور / كمال بشر – ان وصف القدماء لمخرج الضاد كان الاصوب بدليل وجود نطق لهذا الصوت من هذا المخرج , في لهجتين عربيتين جنوبيتين قديمتين هما: المهريه ووالشحريه (الجباليه الظفاريه)
فألاولى: ينطق بها الآلاف من سكان المهره المحافظه اليمنيه المعروفه , والثانيه: بنطق بها الآلاف كذلك من سكان ظفار: الاقليم الجنوبي من سلطنة عمان.
فسكان تلك البقاع تخرج الضاد من السنتهم جانبيه انحرافيه, ملتصقه بالاضراس العليا , وفيها شي من التفشي.
وقديعترض معترض بأن (التفشي) صفه خاصه بصوت (الشين) , كما يذكر علماء الاصوات , وليس الضاد!!
والإجابه عن هذا الاعتراض عند ابن جني , احد افذاذ علم الاصوات في العربيه , الذي قال في كتابه السالف الذكر (سر صناعة الإعراب): (واما الضاد فلأن فيها طولاً وتفشياً).
والكاتب في نتيجته هذه مسبوق لا سابق , إذ اشار احد الباحثين , وهو: عادل محاد مريخ في كتابة العربيه ولهجاتها ... دراسة مقارنه بين الفاظ المعجم السبئي والفاظ لهجات عربيه قديمه (الجباليه والمهريه) أشار الى تطابق وصف القدماء لمخرج الضاد , مع طريقة نطقه – اليوم – فيما تبقى من اللهجات العربيه الجنوبيه , وقصد بـ (ماتبقى): المهريه والشحريه الجباليه. يقول (الضاد تخرج في لهجات الاحقاف من المخرج نفسه الذي تخرج منه الضاد , التي تحدث عنها الخليل بن احمد وسيبويه فهي تخرج من طرف اللسان , ومايليه من الاضراس , وبهذه الطريقه يخرج الصوت (جانبياً) من احد الاشداق).
ختاماً .. نستطيع ان نقرر الحقيقه التاليه: الضاد العربيه القديمه مازال ينطق بها في لسان المهره.)) ا. هـ
وهذا الكلام يخالف بعض أهل الأصوات .. ما رأيكم شيخنا الكريم؟
والسلام عليكم
¥