أقول: لا يخفى على أحد من المتخصصين في التجويد أن هناك خلافاً بين علماء التجويد أنفسهم في العديد من المسائل، كالخلاف في كون اللام والراء والنون من مخرج واحد أو من ثلاثة مخارج، وكالخلاف في دخول حروف المد الثلاثة في الحروف المتوسطة، والخلاف في اعتبار الجوف مخرجاً.
هذه الخلافات كلها مبنية على الملاحظة الشخصية، وهي من باب الدراية، وعندما أنشأ بعضهم الخلاف بناءً على ملاحظته الشخصية لم يُسلِّم لمن سبقه بما قال، كما لم ينكر عليه أحد بأنه قد أتى بكلام جديد يسبب ارتباكاً أو تأثيراً على أداء الحروف القرآنية، وإنما استمر اعتبار التلقي هو الأساس في قراءة القرآن، كما استمر النقاش العلمي والأخذ والرد، مع وجود بعض التشنج ضد المخالفين في بعض الأحيان.
هذا بالضبط هو عين ما يحصل الآن، ولكن بتطور أكثر يستفاد فيه من التقنيات الجديدة والأجهزة الصوتية، فكما كان للأقدمين حق في الاختلاف فيما بينهم بناءً على الملاحظة والفهم والتحليل، فلنا الحق أيضاً أن نناقش ونحلل فيما نلاحظه في النطق المعاصر للحروف العربية في قراءة القرآن، ولنا أيضاً أن ننشئ خلافاً جديداً بناءً على ذلك وتتسع صدورنا له، كما أنشأ ذلك أسلافنا واتسعت صدورهم له.
والدعوة إلى الجمود على مذهب معين في باب الدراية في علم التجويد أمر غير محمود أبداً؛ لأن من طبيعة العلوم البشرية المبنية على الملاحظة أن لا تصل إلى الكمال، فينبغي عدم تعطيل الفهم والعقل، بل ينبغي زيادة الاجتهاد في البحث والفهم والتحري والمناقشة والمراجعة؛ كي نحاول أن ندرك نقاط التطابق ونقاط الاختلاف بين ما هو موجود في الكتب وبين النطق المعاصر.
أما أن نقدس نصوص الأقدمين ونرد أي تجديد فيها فهذا ما لا يقبلونه هم؛ لأنهم تخالفوا فيما بينهم وتناقشوا ورد بعضهم على بعض.
ثم إن من يقول بالأخذ عن الأقدمين فقط ستأتيه عقبة كؤود، وهي الأخذ بالأمور التي اختلفوا فيها، فهنا لا مناص له من الاجتهاد والفهم والتحليل للأخذ بقول أحدهم دون قول الآخر، ولا يمكنه في هذه الحالة أن يقول: أنا آخذ عن الأقدمين فقط، ويمكنه والحالة هذه أن ينتفع من علم الأصوات الحديث، فالحكمة ضالة المؤمن.
ملاحظة جانبية:
لا أنسى كلمة كان يقولها لنا شيخنا الدكتور محمد خالد منصور حفظه الله، يقول (والعبارة بمعناها): أكاد أجزم بأن علماء القراءات الأقدمين لو كانوا موجودين في العصر الحاضر لأخذوا بالتقنيات الجديدة واستفادوا منها في علم القراءات، فهم المحافظون على الأصول، وهم في الوقت نفسه أصحاب الابتكار والتجديد في الوسائل والطرق، فقد ابتكروا الاختيار في القراءات، وابتكروا طريقة الجمع، وحاولوا أن يُعمِلوا عقولهم في كيفية المحافظة على هذا العلم بالوسائل التي توصلوا إليها.
ـ[محمد الحسن بوصو]ــــــــ[23 Nov 2010, 12:38 م]ـ
إذا كان التلقي، يا شيخ محمد سيف، هو الأساس فأين البنيان؟
إذا كان أبو عمرو بن العلاء رح1 من أكابر اللغويين، ومن قال لغوي في ذلك الوقت فقد قال صوتيّ، وسيبويه رح1 ممن كانوا يقرأون القرآن ولهم به عناية. وقل مثل ذلك في الخليل والفراء والأخفش وووو.
لكنهم إن عادوا لم يتخذوا جميعا وجهة واحدة، قد يتجه سيبويه وشيخه الخليل ....... إلى الأجهزة، ويتربع أبو عمرو بن العلاء ليقرئ كما سمع بغض النظر عما قاله الخليل والأجهزة معا
ـ[محمد سيف]ــــــــ[23 Nov 2010, 01:08 م]ـ
يا شيخ محمد الحسن بوصو هدئ من روعك قليلاً، فعلماء العربية وعلماء التجويد معاً لم يؤلفوا هذا العلم إلا لملاحظة ظواهر النطق، ولنا أن نحاول فهم كلامهم بحسب نطقنا المعاصر.
نحن لو قلنا: لا نحتاج إلا إلى التلقي؛ لهدمنا ما قاله الأسلاف والمتأخرون معاً.
كما لا ينبغي أن تكون هناك أزمة مصطلحات، فنقارن بين اللغوي والصوتي، فالصوتي فرع من اللغوي، وإنما استقل في وقت متأخر، وهكذا منشأ كثير من العلوم، وقد لاحظتُ إشكالاً في هذا عند البعض ممن شارك في الموضوع.
¥