تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[غانم قدوري الحمد]ــــــــ[30 Nov 2010, 06:09 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

(1)

من فوائدة علم الأصوات للمشتغلين بعلم التجويد

كنت أعمل على كتابة وجهة نظري على نحو مفصل في جميع المسائل التي أثيرت في هذا الحوار، وتبين لي أن توفية المسائل حقها من المناقشة يحتاج إلى وقت قد يؤثر على القيام بواجباتي التدريسية، ونحن في منتصف الفصل الدراسي الأول، وصرت بين أن أؤجل الموضوع برمته إلى حين فرصة أخرى، أو أكتب تعليقي على نحو مختصر على ما أثير من مناقشات أو تساؤلات على شكل نقاط منفصلة ومتتابعة، ونظراً إلى ما تكرر في المشاركات من انتظار البعض ما سوف أكتبه، فإني اخترت الآن الطريق الثاني، عسى أن يلبي رغبة المتحاورين وأن يحقق بعض ما ينتظرون، وأود التذكير بأني لا أمثل (الأصواتيين) في ما أكتبه، وإنما أعبر عن وجهة نظري المنبثقة من خلال دراستي لعلم التجويد في أشهر مصادره، ودراستي لعلم الأصوات في ما ترجم من كتبه إلى العربية أو كُتِبَ بها، ولا يلزم أن تتطابق وجهة نظري مع وجهة نظرهم.

وأول ما سأبدأ به هو الحديث عن فائدة علم الأصوات للمشتغلين بعلم التجويد، معلمين ومتعلمين، وتكرر التصريح من عدد من الإخوة المنكرين لتلك الفائدة المطالبة بذكر شيء من تلك الفوائد، وقد ذَكَرَ بعض المشاركين شيئاً من ذلك لكن قيل: إن هذه أمور تافهة لا تستحق الذكر، وأن علماء التجويد قد سبقوا إليها، أو أن ما كتبه علماء التجويد يغني عنها. ومع ذلك فإني سوف أذكر ما تحقق عندي من فوائد دراسة علم الأصوات للمشتغلين بعلم التجويد:

(1) الكشف عن آلية إنتاج الأصوات اللغوية على نحو محدد، وهو ما لم يتمكن المؤلفون في علم التجويد رحمهم الله من الحديث عنه على نحو مفصل، لأن جانباً منه يتعلق بمعرفة أعضاء النطق ووظائفها، وبعض تلك الأعضاء لم يكن منكشفاً لهم في ذلك الوقت.

ومعرفة دارس التجويد لتلك الآلية يجعله يحيط بالعناصر الصوتية المكونة للصوت، ويفهم من خلالها سبب تمايز جرس الأصوات اللغوية واختلافها، ويفسر له ما ينشأ لها في التركيب من أحكام، ولعل هناك من يقول: لسنا بحاجة إلى معرفة تلك الآلية، وإننا قد تعلمنا التجويد وأحكمناه، وعَلَّمناه لتلامذتنا من غير أن نقف عليها، أقول: هذا أمر حسن، ولكن أحسن منه أن يقف الدارس عليها، وقديماً قال الداني في مقدمة كتابه التحديد:" وقراء القرآن يتفاضلون في العلم بالتجويد والمعرفة بالتحقيق، فمنهم من يعلم ذلك قياساً وتمييزاً، وهو الحاذق النبيه، ومنهم من يعلمه سماعاً وتقليداً وهو الغبي الفهيه، والعلمُ فطنةً ودرايةً آكدُ منه سماعاً ورواية، فللدراية ضبطها ونظمها، وللرواية نقلها وتعلمها، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم".

(2) الكشف عما خفي عن عين الناظر من أعضاء النطق، خاصة الحنجرة والغضاريف المكونة لها، وتجويف الحلق، وبيان دورهما في إنتاج الأصوات اللغوية، وتقديم صورة أكثر دقة لآلة النطق.

(3) إعطاء تحديد أكثر دقة لمخارج عدد من الأصوات، من خلال الوسائل الحديثة التي يستعملها المشتغلون بعلم الأصوات، مثل الأحناك الصناعية، أو التصوير بالأشعة السينية وغيرها، أو ناظور الحنجرة، ولا يُبْطِلُ هذه الميزة ما عُرِضَ من نماذج لاضطراب بعض المحدثين في تحديد مخارج عدد من الأصوات، فهذا الاضطراب لا يدل على أن هذا العلم لا فائدة منه البتة، بقدر ما يدل على قصور هؤلاء الباحثين في استعمال وسائل هذا العلم على نحو دقيق.

وإذا قال البعض: نحن نكتفي بتحديد سيبويه للمخارج أو بتحديد الخليل، ولسنا بحاجة إلى الدخول في اختلافات المحدثين في تحديد المخارج، وإذا سلمنا بهذا القول في تحديد مخارج الصوامت فإن حاجة الدارس للتجويد ستظل قائمة لِمَا يقدمه علم الأصوات اللغوية في تحديد مخارج الأصوات المصوتة (الحركات وحروف المد)، من خلال ما يسميه الدارسون بمنظومة الحركات المعيارية، فيتحدد من خلالها مخرج كل صوت وصفاته، سواء في ذلك الحركات الأصلية مثل الفتحة والضمة والكسرة وحروف المد، أو الحركات الفرعية، مثل صوت الإمالة وصوت الإشمام، وليس هناك ما يمنع في تقديري من أن يقتبس الدارسون للتجويد هذا الجانب من علماء الأصوات، إذا كان مفيداً ونافعاً.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير