وقديماً قال الداني في مقدمة كتابه التحديد:" وقراء القرآن يتفاضلون في العلم بالتجويد والمعرفة بالتحقيق، فمنهم من يعلم ذلك قياساً وتمييزاً، وهو الحاذق النبيه، ومنهم من يعلمه سماعاً وتقليداً وهو الغبي الفهيه، والعلمُ فطنةً ودرايةً آكدُ منه سماعاً ورواية، فللدراية ضبطها ونظمها، وللرواية نقلها وتعلمها، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم".
هذا نقل صحيح، وكلام واضح، لكن الداني لم يعْنِ من كلامه أكثر من أن الدراية فهمٌ ومقارنةٌ بغرض تنظيم المعلومات وتبويبها، وتسهيل نقلها إلى آخر ممن ألزم الله سبحانه وتعالى النقل إليه. وأنتم تعلمون أن الحذق والنباهة ليسا كافيين في نقل القرآن والسنة. ما ضرر الغباوة إذ اكان الفهيه صادق الرواية؟ وما نفع الحذق والنباهة، وحدهما، إذا كان ما أدى إليه اجتهادهما مخالفا لما عليه الثقات العدول الكمل الحذاق النبهاء.
الداني لم يرد أن يقول إن الفطنة والدراية في العلم (أوثق) من السماع والرواية وإنما قال "آكد" مع أن الراوي إذا عمل بما يخالف روايته تركت الرواية. والداني، على حذقه ونباهته، لم يلتزم أبدا، ولا مرة، بهذا الكلام.
لم يرد الداني أن يقول أكثر من أن بعض الناس يقرأون القرآن صحيحا مضبوطا مع جهلهم بنقول العلماء وكلام أهل اللغة، والبعض الآخر يضيف إلى إتقان الصوت الحذق والنباهة. وأن جمعهما أحسن. وهذا تماما ما يقوله أبو الحسن الحصْري (وأحسن كلام العرب إن كنت مقرئا وإلافتخطئ حين تقرأ أو تقري) (ثلاث لغات في الصراط ولم يكن ليحسنها لم يقسه على صقر) لكنه لن يقبل أبدا أن يخطئ النحوي القرأة، مع أنه يقول بأنك لن تسلم من الخطإ إذا لم تعرف اللغة، وقل مثل ذلك في كلام الداني.
بعد هذه الملاحظة نقول: إن كلام الدكتور هنا جميل جدا، وأغلب فقراته صحيح، ولكنه بعيد - بآلاف السنين الضوئية - عن محل الخلاف.
الخلاف هو: ما العمل في حال تعارض نتائج علم الأصوات مع مرويات القراء؟ نحن نريد هنا كلاما جريئا واضحا. الجواب الواضح عن هذا السؤال الواضح يُنْهي هذا الحوار الطويل. مع العلم أنه لم يطوّله إلا اللف والدوران والحوم حوله، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه.
وإذا كانت هذه حالة فردية فإن تلك التعريفات تظل مثل الأحاجي على الدارسين، والخلاص منها يكمن في الأخذ بتعريف علم الأصوات اللغوية لهذه الصفات، ولا يترتب على ذلك ما يخل بالقراءة، حسب تقديري.
نعم! يترتب عليه إخلال كثير بالقراءة، ويترتب عليه الطعن في فهوم القراء، ويترتب عليه اتهامهم بالإجماع على الخطإ، وهو ما يفتح الباب أمام القول: "إذا جاز فعلا أن يُجمع القراء على خطإٍ في نطق الحرف، جاز عقلا أن يجمعوا على زيادة كلمة برمتها أو نقْصها، لأنه لم يتوفر فيهم تمام الضبط"
أليس قد روي "إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه، وإلا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" ولازمه لا تزوجوا من لا ترضون دينه. ونحن بسلوك علم الأصوات لا نرضى دينه، ولا نزوجه بنات أفكارنا.
على أن ما ذكره الأستاذ الفاضل عمار الخطيب من أنهم يستفيدون بعلم الأصوات في تدريس اللغة العربية بكندا فليس بمحل نقاش، وأنا شخصيا درست الفرنسية عبر هذه الوسائل.
(5) ومن فوائد علم الأصوات اللغوية أيضاً قياس زمن كل صوت على نحو دقيق، وهو ما كانت وسائل علماء التجويد قاصرة عنه، وهم قد حاولوا تقدير زمن الحركة والغنة برفع الإصبع وخفضه وهو ما يمكن أن يختلف من شخص لآخر، وإن كان التلقي الشفهي يضبط تلك الطريقة من القياس، لكن أجهزة قياس الصوت الحديثة تعطي طول الصوت بأجزاء الثانية، وهو أمر مفيد في وصف كثير من ظواهر النطق.
من يستطيع من الأصواتيين عندما يخرج من المختبر أن يضبط الصوت بأجزاء الثانية؟ {يقوم لكم الملك اليوم ظهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد}
قلتم "وهو أمر مفيد في وصف كثير من ظواهر النطق" وددت لوقلتم وهو أمر مفيد في نطق كثير من الحروف.
ـ[عبد الحكيم عبد الرازق]ــــــــ[30 Nov 2010, 03:15 م]ـ
السلام عليكم
الشيخ محمد الحسن البوصو كلامكم في غاية القوة والرصانة والله.
وصدقتم أنه في غير محل الخلاف، ولكن لي وقفة مع بعض الفوائد الأخري لأثبت لفضيلته أن القدامي لم يتجاهلوا التشريح العضوي للحنجرة والفم واللسان إلا أنهم وصفوا ما يعتمدون عليه نطقا فقط ومن له تأثير علي مخرج الحرف فقط.
وقولكم (وأود التذكير بأني لا أمثل (الأصواتيين) في ما أكتبه، وإنما أعبر عن وجهة نظري المنبثقة من خلال دراستي لعلم التجويد في أشهر مصادره،))
هذه تبرئة طيبة وبداية تغير طيب في الكلام ودراية بأن ما يقوله أهل الأصوات فيه غث كبير.
وقولكم (أتوقع في الوقت نفسه أن يكون هناك من يرفضها جملة وتفصيلاً، كما ظهر في مشاركات عدد من الإخوة الرافضين لعلم الأصوات، وإذا كان الأمر كذلك فآمل أن يرضى كل من الفريقين بما وهبه الله من فهم، وألا ينكر على الآخرين فهمهم.))
نعم كلام صحيح في الجملة ولكن هناك بما يسمي تقويم الفكر فليس كل فكر يسمي فكرا، وله أن ينكر إن تخطي فهم الآخرين المعقول.
وعند عودتي للبيت إن شاء الله ـ لي وقفة مع هذه الفوائد.
والبند الثالث والرابع من كلام أخي الشيخ عمار في غاية الغرابة وتدعوا للدهشة.
هل الاجنبي يحتاج للسماع أم يحتاج لكلام نظري طويل؟
الشيخ العلامة الجوهري كان يجلسنا مع الطلبة الأجانب لتدريبهم قبل القراء عليه. وما كنا نفعل شيئا سوي النطق البطيئ لهم وينتهي الأمر.
ووالله كانوا يبرعون في نطق أحرف القرآن وكثيرا ما يصعب عليهم النطق خارج القرآن .. سبحان من يسر كلامه للعالمين
والسلام عليكم
¥